الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الرابع : حركة الأئمة من ذرية الحسين(عليهم السلام)

زيد بن الحسن بن علي (عليه السلام):

قال ابن عنبة: وكان زيد يكنى أبالحسين، وقال الموضح النسابة: أبا الحسن، وكان يتولى صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتخلف عن عمه الحسين فلم يخرج معه إلى العراق، وبايع بعد قتل عمه الحسين عبد الله بن الزبير لان اخته لامه وأبيه كانت تحت عبد الله ابن الزبير. قاله أبوالنصر البخاري. فلما قتل عبد الله أخذ زيد بيد أخته ورجع إلى المدينة وله في ذلك مع الحجاج قصة، وكان زيد بن الحسن جوادا ممدوحا، عاش مائة سنة، وقيل خمسا وتسعين، وقيل تسعين، ومات بين مكة والمدينة بموضع يقال له: حاجر وأم زيد فاطمة بنت أبى مسعود.

قال الشيخ المفيد: زيد بن الحسن (رحمه الله) فكان على صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسن، وكان جليل القدر كريم الطبع كثير البر، ومدحه الشعراء وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله.

فذكر أصحاب السيرة: أن زيد بن الحسن كان يلي صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة: أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا، فاعزل زيدا عن صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وادفعها إلى فلان ابن فلان - رجل من قومه - وأعنه على ما استعانك عليه، والسلام.

فلما استخلف عمر بن عبد العزيز إذا كتاب قد جاء منه: أما بعد فإن زيد بن الحسن شريف بني هاشم وذوسنهم، فإذا جاءك كتابي هذا، فاردد إليه صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) واعنه على ما استعانك عليه، والسلام.

وفي زيد بن الحسن يقول محمد بن بشير الخارجي:

إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة (1) *** نفى جدبها واخضر بالنبت عودها
وزيد ربيع الناس في كل شتوة *** إذا أخلفت أنواؤها (2) ورعودها

وروى ابن عساكر عن ابن وهب حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال: بلغني أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى زيد بن حسن بن علي يسأله أن يبايع لعبد العزيز بن الوليد ويخلع سليمان بن عبد الملك ففرق زيد بن الحسن من الوليد فأجابه، فلما استخلف سليمان وجد كتاب زيد بن حسن إلى الوليد بذلك، فكتب إلى أبي بكر بن حزم (وهو أمير المدينة) ادع زيد بن حسن وأقرءه هذا الكتاب فإن عرفه فاكتب إلي بذلك، وإن هونَكَل فقدِّمه فاصبر يمينه على منبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما كتب بهذا الكتاب ولا أمر به.

قال :فأرسل إليه أبوبكر بن حزم، فأقرأه الكتاب.

فقال :أنظرني ما بيني وبين العشاء أستخير الله عز وجل.

قال :فأرسل زيد بن حسن إلى القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله يستشيرهما في ذلك، قال فأقاما ربيعة معهما، فذكر لهما ذلك وقال لهما : إني لم أكن آمن الوليد على دمي لولم أجبه، فقد كتبت هذا الكتاب فيرون أن أحلف، فقالوا: لا تحلف ولا تبارز الله عند منبر رسول الله ص، فإنا نرجوأن ينجيك الله بالصدق، فأقرَّ بالكتاب ولم يحلف، فكتب بذلك أبوبكر، فكتب سليمان إلى أبي بكر أن يضربه مائة سوط ويدر عنه عباءة ويمشيه حافيا.

قال: فحبس عمر بن عبد العزيز الرسول في غسل سليمان وقال :لا تخرج حتى أكلم أمير المؤمنين فيما كتب في زيد بن حسن لعلي، أستطيب نفسه فيترك هذا الكتاب.

قال :فجلس الرسول ومرض سليمان، فقال للرسول :لا تخرج فإن أمير المؤمنين مريض، قال :إلى أن رمي في جنازة سليمان وأفضى الأمر إلى عمر بن عبد العزيز فدعى بالكتاب فحرقه (3).

قال ابن عنبة: وكان لزيد ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت منه، ماتت بمصر ولها هناك قبر يزار " وهي التي تسميها أهل مصر (الست نفيسة) ويعظمون شأنها ويقسمون بها، وقد قيل إن صاحبة القبر بمصر نفيسة بنت الحسن بن زيد، وإنها كانت تحت اسحاق بن جعفر الصادق.

توفي زيد بالبطحاء على ستة أميال من المدينة سنة 120 وله تسعون سنة وحمل إلى البقيع، فرثاه جماعة من الشعراء وذكروا مآثره ويحكوا فضله، فممن رثاه قدامة بن موسى الجمحي فقال:

فإن يك زيد غالت الارض شخصه *** فقد بان معروف هناك وجود
وإن يك أمسى رهن رمس فقد ثوى *** به وهومحمود الفعال فقيد
سميع إلى المعتر يعلم أنه *** سيطلبه المعروف ثم يعود
وليس بقوال وقد حط رحله *** لملتمس المعروف أين تريد؟
إذا قصر الوغد الدني نما به *** إلى المجد آباء له وجدود
مباذيل للمولى محاشيد للقرى *** وفي الروع عند النائبات أسود
إذا انتحل العز الطريف فإنهم *** لهم إرث مجد ما يرام تليد
إذا مات منهم سيد قام سيد *** كريم يبني بعده ويشيد

والعقب منه في ابنه الحسن بن زيد، ويكنى أبا محمد، كان أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي وعمل له على غير المدينة، ايضا وكان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى، وهوأول من لبس السواد من العلويين وبلغ من السن ثمانين سنة، وتوفى - على ما قال ابن الخداع - بالحجاز سنة ثمان وستين ومائة وأدرك زمن الرشيد، ولا عقب لزيد إلا منه.

أعقب الحسن بن زيد بن الحسن من سبعة رجال وهم القاسم وعلي واسماعيل وابراهيم وزيد وعبد الله واسحاق (4).

قال الشيخ المفيد رحمه الله: وخرج زيد بن الحسن (رحمه الله) من الدنيا ولم يدع الامامة، ولا ادعاها له مدع من الشيعة ولا غيرهم، وذلك ان الشيعة رجلان: إمامي وزيدي.

فالإمامي يعتمد في الامامة النصوص، وهي معدومة في ولد الحسن (عليه السلام) باتفاق، ولم يدع ذلك أحد منهم لنفسه فيقع فيه ارتياب.

والزيدي يراعي في الامامة بعد علي والحسن والحسين (عليهم السلام) الدعوة والجهاد، وزيد بن الحسن رحمة الله عليه كان مسالما لبني أمية ومتقلدا من قبلهم الاعمال، وكان رأيه التقية لاعدائه والتألّف لهم والمداراة، وهذا يضاد عند الزيدية علامات الامامة كما حكيناه (5).

______________________________________

(1) ‏ التلعة: مسيل ماء من أعلى الارض إلى بطن الوادي.

(2) ‏ الانواء: جمع نوء، وهوسقوط نجم وطلوع نجم، وكانت العرب تنسب المطر إلى الانواء، فتقول: مطرنا بنؤ كذا. ".

(3) ‏ تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ج 19 ص 379.

(4) ‏ انظر المجدي في انساب الطالبيين للسيد علي بن محمد العلوي العمري النسابة اعلام القرن الخامس /202، وايضا عمدة الطالب.

(5) ‏ الارشاد - الشيخ المفيد ج 2 ص 20.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري