ارتباط قضية المهدي (ع)
بنهاية حركة التاريخ

آخر الزمان تعبير عن المرحلة النهائية لحركة التاريخ ، وقد عني بها الفلاسفة الوضعيون عموما والماركسيون خصوصا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وكان افضل ما قدمته الماركسية للفكر البشري هو تبنيها للحتمية التاريخية (1) ومحاولتها اكتشاف سنن التاريخ ومراحله وتنبيهها الى اهمية معرفة قوانين التاريخ في التنبوء بمسار حركة التاريخ ونتائجها ودور هذه المعرفة في الارتقاء بوعي الانسان وتفعيل حركته الايجابية باتجاه المرحلة التاريخية التي يرتقبها ، غير ان الماركسية كانت قد تورطت في خطأ قاتل حين انكرت وجود الله تعالى وتعاملت مع حركة النبوات من خلال الصيغ المحرفة للدين الالهي ومن ثم فشلت في اكتشاف المراحل العامة لحركة التاريخ واكتشاف السنن التي تنقل الواقع من مرحلة الى اخرى ثم تقف به عند نهايته المحتومة .

ولئن انفتح الفكر البشري الوضعي من خلال الفكر الماركسي في القرن التاسع عشر الميلادي على ادراك الحتمية التاريخية ومن ثم العمل على اكتشاف مراحل التاريخ الحتمية والقوانين العامة للتاريخ ثم اخطأ في اكتشافها(2) ، فان الفكر النبوي منذ انظلاقته الاولى قبل الاف السنين قد بنى تصوراته عن حركة المجتمع البشري على اساس هذه الحتمية وقدم فكرة واضحة عن سنن التاريخ و مراحله ، وقد احتفظ التراث الديني لليهود والنصارى والمسلمين بنصوص مشتركة حول ذلك ، ويستطيع الباحث ان يقول ان هذه القضية هي احدى اهم القضايا الاساسية المشتركة بين الاديان الثلاثة .

وهنا اود ان اؤكد ان النصوص الدينية التي يحفل بها تراث الاديان الثلاثة يقدم بالاضافة الى ذلك معلومات موحدة عن الشخوص التاريخيين الذين تتقوم بهم حركة التاريخ ونهايتها ، فلسنا فقط امام فكرة مشتركة حول نهاية حركة التاريخ بل امام تصورات موحدة عن هوية شخوصها التاريخيين يمكن استفادتها من تلك النصوص .

نعم بلحاظ هذه النصوص التي تتحدث عن الاشخاص التاريخيين وجدت قراءات وتفسيرات مختلفة جعلتنا امام مصاديق مختلفة للفكرة الواحدة والباب مفتوح لحوار علمي هادئ بين الاديان الثلاثة واتجاهاتها الداخلية لبحث سبل الوصول الى القراءة الموحدة لتلك النصوص .

وفي ضوء هذه المقدمة نستطيع القول :

ان قضية المهدي الموعود الحجة بن الحسن العسكري بن الحسين المظلوم الشهيد في المعتقد الشيعي ترتبط اساسا بمراحل حركة التاريخ وسننها كما تقدمها الحركة النبوية ككل من خلال وثائقها الاساسية القرآن والتوراة والانجيل .

وان الحركة الشيعية تدعي من خلال تراثها المعتبر ان المهدي الموعود بطل نهاية التاريخ الذي تشخصه النصوص الشيعية بمحمد بن الحسن العسكري بن الحسين المظلوم الشهيد هو نفسه الذي تشخصه النصوص الدينية المسيحية واليهودية .

دليلنا على هذا التصور ما يؤكده القرآن من ان نهاية التاريخ المشرقة امر حتمه الله تعالى وبينه في القرآن وفي كتبه التي انزلها على الانبياء السابقين ، وتاكيد القران ان خبر بعثة النبي المكي موجود في التوراة والانجيل وتاكيد اهل البيت في اخبارهم ان الكتب السابقة بشرت بمحمد واهل بيته وان عليا والحسين والمهدي قد ذكروا في الكتب السابقة كما ذكر النبي (ص) .

______________________

(1) هناك نوعان من الحتمية : 1 . الحتميّة في الطبيعة : ويراد بها القول بوجود علاقات ضرورية ثابتة في الطبيعة توجب أن تكون كلّ ظاهرة من ظواهرها مشروطة بما يتقدّمها أو بصحبها من الظواهر الاُخرى . ومعنى ذلك أنّ القول بالحتمية ضروريّ لتعميم نتائج الإستقراء العلمي ، فلولا اعتقادنا أنّ ظواهر الطبيعة تجري وفق نظامٍ كلّيٍّ دائم لما استطعنا أن نعمّم نتائج الإستقراء . 2 - الحتميّة التأريخيّة : ونريد بها الوقوع الضروري للحدث التأريخي ، أو الإتّجاه التأريخي ، بمعنى أنّهما لو توفّرت الشروط التي توجب حدوثهما لحدثا ا ضطرا راً . (المعجم الفلسفي ، مصطلح الحتمية ) . ويوجد في الفكر البشري موقفان من الحتمية التأريخية : الأوّل : موقف ينادي بالحتمية التأريخية ، ويدعو إلى استخلاص الأحكام الكلّية التي تمكنّ من التنبّؤ بما سيحدث في المستقبل (اُنظر في فلسفة التأريخ ، محمود صبحي : 36 .) . الثاني : موقف ينكر الحتمية التأريخية ويرفضها ، مدّعياً عدم إمكانية استخلاص قوانين كلّية للتأريخ ، ومن ثمّ التنبّؤ بالحوادث التأريخيّة أو الإتّجاه التأريخي على أساسها (الماديه التأريخية) .

(2) ان انتماء ماركس الى اليهودية قبل الحادية يفرض علينا ان نفسر ادراكه لحتمية بلوغ المجتمع البشري مرحلة تصفى فيها كل التناقضات الاجتماعية ويسود فيها الوئام والسلام كان بتاثير التراث الديني الذي دان به لفترة غير قليلة من حياته .