التغيير المطلوب تحقيقه في الأمة

مما لا شك فيه أن المطلوب إسلامياً في وضع سياسي وإجتماعي كالذي عرضنا هو تحقيق ثلاثة أمور وهي :

أ: كسر الطوق السياسي والإجتماعي المفروض على الحديث النبوي الصحيح في أهل البيت وعلي عليهم السلام خاصة ، ليُعرض أهل البيت وعلي عليهم السلام في الأمة من جديد امتداداً رسالياً للنبي صلى الله عليه وآله ومحوراً للولاء ومصدراً مطهراً للتثقيف بعد الرسول .

ب: انقاذ شيعة العراق بصفتهم حملة علم علي عليه السلام وسيرته من حالة التصفية والإختناق والحصار الإجتماعي والسياسي التي يعيشونها .

ج: تفهيم الأمة أن السكوت على ظلم بني أمية ليس من الدين في شيء بل الدين يدعو إلى قتالهم والإطاحة بهم بصفتهم قد بلغوا القمة في الظلم والإنحراف وإقامة حكومة إسلامية تستهدي تجربة علي عليه السلام وتجربة النبي صلى الله عليه وآله .

الحسين عليه السلام هو الشخص الوحيد المعنيّ بالتغيير المطلوب والقادر عليه:

ومما لا شك فيه أن الشخص الوحيد المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه هو الحسين بن علي عليه السلام وذلك : لأنه سيد بني هاشم الذين يعيشون المحنة بعميدهم علي عليه السلام ، وهو مرجع شيعة أبيه وأخيه الممتحنين في العراق ولأنه يتبوأ في المجتمع الإسلامي أرفع مقام اجتماعي وديني لكونه حفيد النبي صلى الله عليه وآله . وقبل ذلك كله لانه الحجة المنصوب من قبل النبي لحفظ الرسالة .

وفي قبال الحسين عليه السلام : هناك الخوارج وعبد الله بن الزبير ، وكلاهما معني بتغيير السلطة ، أما فيما يرتبط بعلي وشيعته فهم والأمويون مدرسة واحدة وموقف واحد(1) .

الحسين عليه السلام عُدَّة إلهية لتحقيق التغير المطلوب:

كان الإنقلاب الفكري الذي قام به معاوية والوضع الإجتماعي والفكري الذي انتجه خطيراً جداً ، وكان يشبه إلى حد كبير الوضع الذي صنعه فرعون مع بني إسرائيل والمجتمع المصري ودين الله الذي جاء به يوسف عليه السلام من قبل ، الوضع الذي اقتضت الحكمة الإلهية معه أن يبعث موسى عليه السلام لينقذ بني إسرائيل ويجدد دين يوسف عليه السلام ويقيم الحجة على المجتمع المصري ليحيي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة . وكذلك الحال مع الوضع الذي صنعه معاوية مع أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والمجتمع الإسلامي عامة وشيعة علي عليه السلام خاصة ، ولما كانت النبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وآله اقتضت الحكمة الإلهية أن يقوم أوصياؤه وهم ليسوا بأنبياء بما كان يقوم به أوصياء الأنبياء السابقين الذين كانوا في الغالب أنبياء أيضا .

اقتضت الحكمة الإلهية أن يعرِّف النبي صلى الله عليه وآله باوصيائه من بعده ويعرِّف أيضا بأبرز ما يقومون به ويحدد الموقف منه من أجل أن تهتدي الأمة بهديه ، ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : (أن يقاتل الناكثين والقاسطين والمفسدين من بعده) ، وقوله للزبير (ستقاتل علياً وأنت له ظالم) (2) ، وقوله لعائشة : (تنبحها كلاب الحوأب) (3) وقوله في الحسن عليه السلام : (إن إبني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، ومما لا شك فيه أن هذه الأقوال من النبي صلى الله عليه وآله تفتح القلوب لفعل الوصي الذي يجيئ في ظرف فتنة واختلاف وتشوش في الرؤية عند غالبية المسلمين .

ومن ذلك قوله في الحسين عليه السلام (أنه يقتل مظلوماً) وكان صلى الله عليه وآله قد استقبل ولادته بذرف الدموع الساخنة عليه . وليس من شك فإن قول النبي صلى الله عليه وآله هذا وبكاءه يأتي تأييداً لموقف الحسين عليه السلام وتصويباً لموقفه الذي يتألف من ركنين هما رفضه لبيعة يزيد وخروجه بأهله إلى العراق ثم يحاصر هناك ويعرض عليه البيعة أو الموت فيختار الموت على البيعة، في قبال من يحاول ان يضع اللوم على الحسين عليه السلام في عدم تقديره للظرف وتعريضه لنفسه ولأهل بيته لنكبة ومأساة قل نظيرها في التاريخ (4) .

______________________

(1) أما عبد الله بن الزبير فموقفه من علي عليه السلام معروف بدءاً من حرب الجمل وانتهاءاً بفترة حكمه حيث أظهر بغض علي عليه السلام وتناوله في خطبه وتصدى له في بعضها محمد بن الحنفية وابن عباس ، وتذكر المصادر التاريخية أنه جمع الحطب ليحرقهم إن لم يبايعوه ثم نفاهم إلى الطائف . أما موقفه من شيعة علي عليه السلام فيكفي فيه ما صنعه بأصحاب المختار بعد قتل المختار حيث قتل منهم سبعة آلاف صبراً منهم زوجة المختار إذ رفضت أن تتبرأ من المختار وسجنها مصعب ثم استشار أخاه عبد الله في شأنها فأمره بقتلها . أما الخوارج فموقفهم من علي عليه السلام وشيعته لا يحتاج إلى بيان .

(2) فتح الباري 13/51عن كتاب عمر بن شبة في أخبار البصرة : قال أخرج إسحاق من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عبدالسلام (ت145) رجل من حيَّه قال خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأنت لاوي يدي لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك قال : قد سمعت لا جرم لا أقاتلك .

(3) روى ابو يعلى 8/282حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال مرت عائشة بماء لبني عامر يقال له الحوأب فنبحت عليه الكلاب فقالت ما هذا قالوا ماء لبني عامر فقالت ردوني ردوني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كيف بإحداكن إذا نبحت عليها كلاب الحوأب .

(4) يراجع كتاب اباطيل يجب ان تمحى من التاريخ ، وكتاب المنتقى للذهبي وغيرهما .