معالم التغيير بعد شهادة الحسين عليه السلام
وانفتاح طريق الهداية من جديد

لئن شاء الله تعالى أن يقتل الحسين عليه السلام بعد خمسة شهور من حركته الهادية ، فقد شاء أيضا أن يتحرك الواقع السياسي والاجتماعي بعد الحسين عليه السلام بالإتجاه الذي يخدم الأهداف التي تحرك الحسين عليه السلام لها وقتل من أجلها ، ثم يتحقق كل ما أراد تحقيقه وبيان ذلك كما يلي :

أولا:

تفهمت الأمة أن الطاعة المطلقة للخليفة ليست من الدين في شيء ، وأنَّ الدين يدعو إلى مجاهدة سلطة بني أمية والإطاحة بهم ، ومن ثم نهضت الأمة ثائرة تحت لواء هذا القائد أو ذاك من مختلف الاتجاهات وقد استمرت الثورات على الأمويين حتى هلكوا على يد بني العباس ولم تعد سلطة حاكمة بعد ذلك تتبنى لعن علي عليه السلام والتربية على بغضه .

ثانيا:

تصدعت وحدة الدولة وغابت السلطة المركزية (1) لبني أمية التي كانت تلاحق المحدِّثين الصادقين ولم تسترجع سيطرتها كاملة إلا بعد خمس وعشرين سنة من قتل الحسين عليه السلام وبذلك كُسِر الطوق المفروض على الحديث الصحيح ، وعُرض علي عليه السلام والمطهرون من ذريته عليهم السلام من جديد أئمة هداة في المجتمع . وذلك حين انطلق خلال هذه الفترة بقية الصحابة والتابعين من شيعة علي عليه السلام وغيرهم في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام وخراسان وغيرها ينشرون حديث النبي صلى الله عليه وآله في أهل بيته ، كل حسب استطاعته وبقدر ما تسمح له ظروفه .

فمن الصحابة في المدينة أم سلمة (توفيت سنة 61هجـ) وابو سعيد الخدري (ت64) ، وعبد الله بن عباس (ت68) بالمدينة ومكة والطائف وتوفي بها وله نيف وسبعون سنة وجابر بن عبد الله الأنصاري (ت74) عن 94 سنة وسلمة بن الأكوع (ت74) وسهل بن سعد الساعدي (ت91) .

وفي الكوفة سليمان بن صرد قتل سنة (66 هجـ) وزيد بن أرقم (ت68) وعدي بن حاتم (ت67) والبراء بن عازب (ت72) وعامر بن واثلة (ت110) بمكة منفيا من الكوفة منذ تولى الحجاج الكوفة وهو آخر من توفى من الصحابة .

وفي البصرة : مالك بن الحويرث (ت74) وأنس بن مالك الذي أخذ يحدث بفضائل علي عليه السلام لما أصابته دعوة علي عليه السلام (ت90) .

وفي مرو وخراسان : بريدة بن الحصيب (ت62) ، وأبو برزة الأسلمي (ت64) .

وفي الشام : واثلة بن الاسقع (ت85) وهو آخر من مات من الصحابة بدمشق .

ومن التابعين وهم بقية أصحاب علي عليه السلام وأغلبهم كوفيون أمثال : الحارث الأعور الهمداني (ت65) ، وسعد بن حذيفة بن اليمان (من رجال عهد المختار) ، والأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة70) ، وحبة بن جوين (ت76) ، وأبي البختري قتل (سنة 82) ، زاذان (ت82) ، وزر بن حبيش (ت81) ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل (ت84) ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى (قتل 82) ، وفضالة بن أبي فضالة (ت70-80) ، وكميل بن زياد قتله الحجاج سنة(82) ، وقيس بن عباد قتله الحجاج (83) ، وزيد بن وهب الجهني (ت84 وقيل 96) ، ومسلم بن صبيح (ت100) .

ومنهم بصريون مثل أبي الأسود الدؤلي ، وخِلاس الهَجَري(2) .

ومنهم مدنيون أمثال : عمر بن أبي سلمة (ت83) ، وإياس بن سلمة بن الأكوع (ت119) ، ويزيد بن أمية (ت70 ـ80) .

ولولا هذه السنوات الخمس والعشرين من غياب السلطة المركزية التي أنتجتها شهادة الحسين عليه السلام لما استطاع أولئك الصحابة والتابعون من نشرهم حديث النبي صلى الله عليه وآله في بيان منزلة علي وأهل بيته عليهم السلام ، أو ذم بني أمية أو نشرهم حديث علي عليه السلام وخطبه التي نجدها اليوم في كتب الحديث والتاريخ لدى عامة المسلمين .

ولولا انتشار أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في أهل بيته لما استطاع الأئمة من ذرية الحسين عليهم السلام أن ينشروا سنة النبي صلى الله عليه وآله برواية علي عليه السلام .

ثالثا:

تنفس الشيعة /صحابة وتابعون/ من جديد في الكوفة بشكل عام حين ارتفع الضغط الخاص عنهم مدة أربع سنوات (64ــ67هجـ) ، وبخاصة أيام المختار لمدة سنة ونصف (14ربيع الاول 66-14رمضان 67) حيث استطاعوا أن يطهِّروا المجتمع الكوفي من قتلة الحسين عليه السلام - الذين كانوا يمثلون قمة الإنحراف وبؤرة الفساد فيه - ويعيدوا التثقيف الصحيح باتجاه علي عليه السلام وأهل بيته .

وعلى الرغم من قصر مدة حكم المختار وقتله على يد مصعب الزبيري وقتل سبعة آلاف شيعي صبراً بعده بضمنهم عمرة بنت النعمان بن بشير زوجة المختار لأنها لم تتبرأ من زوجها المختار ، ثم ظلم الحجاج وتتبعه لشيعة علي عليه السلام ، أقول : على الرغم من ذلك بقيت الكوفة قلعة صامدة على التشيع ، أبيَّةٌ عن الترويض ، مما اضطر الحجاج في حركة ابن الأشعث (سنة 80-83) أن يستعين بجيش شامي للقضاء عليها ، ولم يسكنها الكوفة بعد ذلك خوفاً على جيش أهل الشام من التأثر بفكرهم فبنى واسط خاصة لهم .

واستطاع الأئمة من ذرية الحسين عليه السلام وبخاصة الباقر والصادق عليهم السلام أن يثقفوا قواعدهم الشعبية الكوفية من جديد وانفسح المجال بشكل عام للصادق عليه السلام في السنوات الأولى من حكم العباسيين(132-136هجـ) وبذلك عادت الكوفة كسابق عهدها أيام علي عليه السلام قلعة للتشيع ورواية أهل البيت عليهم السلام.

______________________

(1) استقل ابن الزبير في مكة والمدينة والعراق ، ثم ثار المختار في الكوفة واقتطعها عن ابن الزبير مدة سنة ونصف /من 14ربيع الاول سنة 66 الى 14رمضان سنة67 / ثم رجعت له بعد قتل المختار علي يد مصعب وأهل البصرة وجيش المهلب وفلول الجيش الذي قتل الحسين / . واختلف أهل الشام وصاروا رايتين راية تدعو لابن الزبير وراية تدعو لمروان واقتتلوا بسبب ذلك ثم غلبه مروان ، واقتتل اهل خراسان لسنين ثم كانت بيعتهم أخيرا لعبد الملك . استقل نجدة الخارجي في اليمن ثم قتل نجدة من قبل اصحاب ابن الزبير . قتل عبد الله بن الزبير من قبل اصحاب عبد الملك بن مروان وصفا الملك لبني أمية من جديد . وثار العراقيون من جديد بقيادة ابن الاشعث (81-85) . واستقر الملك لعبد لبني امية لمدة اربعين سنة تقريبا وأزعج مرة اخرى من قبل العراقيين بقيادة زيد وقتل سنة 122 ، ثم مات هشام سنة125 ولم يستقر الملك لبني امية بعد ذلك إذ اختلفت كلمتهم ثم زالت دولتهم على يد بني العباس سنة 132 .

(2) كان من شرطة علي وله صحيفة كتبها عنه يحدث بها ، توفي قبيل المائة بتقدير الذهبي نقلا عن ابن حجر في تهذيب التهذيب .