حديث غدير خم (1)

ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله نُسُكَه قَفَلَ إلى المدينة راجعاً وفي الطريق نزلت عليه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة (2) آية : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)المائدة/67 فنزل غدير خُمّ من الجُحفة (3) وكان يتشعَّب منها طريق المدينة ومصروالشام (4) ووقف هناك حتى لحقه من بعده ورد من كان تقدم (5) ونهى أصحابه عن سمُرات (6) متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن ، ثم بُعث إليهن فَقُم (7) ما تحتهن من الشوك (8) ونادى بالصلاة جامعة (9) وعمد إليهن (10) وظُلِّل بثوب على شجرة سمُرة من الشمس (11) فصلى الظهر بهجير (12) .

ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ووعظ وقال ما شاء الله أن يقول ، ثم قال :

إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإنِّي مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا نشهد أنّك بلَّغت ونصحت فجزاك الله خيراً .

قال : أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله وأنَّ الجنَّة حق وأنَّ النار حق ؟

قالوا : بلى نشهد ذلك .

قال : اللهم اشهد ، ثم قال : ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم .

قال : يا أيها الناس إنِّي فَرَط (13) وأنتم واردون علىَّ الحوض وإن عَرْضَه ما بين بصرى (14) إلى صنعاء (15) فيه عدد النجوم قِدحان (16) من فضة ، وإنّي سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟

قال : كتاب الله طرف بيد الله وطرف بايديكم فاستمسكوا به لا تَضِلوا ولا تُبدِّلوا ، وعترتي أهل بيتي وقد نبَّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا علي الحوض سألت ذلك لهما ربي ، فلا تَقدَّموهما فتهلكوا ، ولا تُقصِّروا عنهما فتهلكوا ولا  تعلِّموهما فهم أعلم منكم .

ثم قال : ألستم تعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله (17) .

قال : ألستم تعلمون أو تشهدون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى يا رسول الله (18) .

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب بضَبْعِهِ (19) فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما (20) ثم قال :

أيها الناس ! الله مولاي وأنا مولاكم (21) ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهموال من والاه وعادِ من عاداه (22) ، وانصر من نصره واخذُل من خذله وأحِبّ من أحَبَّه وابغض من أبغضه (23) .

ثم قال : اللهم اشهد (24) .

ثم لم يتفرقا رسول الله وعلي حتى نزلت هذه الآية ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ...) المائدة/3 .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة . ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي (25) .

وفي باب ما نزل من القرآن بالمدينة من تاريخ اليعقوبي ، قال :

أنَّ آخِر ما نزل عليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...) . وهي الرواية الصحيحة الثابتة ، وكان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه بغدير خم) (26) .

فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (27) .

وفي رواية قال له : بخ بخِ (28) لك يا ابن أبي طالب (29) .

وفي رواية أخرى ، هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (30) .

وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله عِمامة تُسمى السَّحاب كساها علياً (31) (يوم الغدير) وكانت سوداء اللون وكان الرسول صلى الله عليه وآله يلبسها في أيام خاصة مثل يوم فتح مكة (32) .

قال عبد الأعلى بن عدي البهراني : دعا رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبة العمامة (33) من خلفه (34) .

وقال ابن عباس : لما عمَّمَ رسول الله صلى الله عليه وآله بالسَّحاب قال له : يا علي العمائم تيجان العرب (35) .

وأمر النبي صلى الله عليه وآله علياً أن يجلس بخيمة له بأزائه ، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فَهَنَّوْهُ بالإمامة ويسلِّمون عليه بإمْرَة المؤمنين ، ففعل الناس ذلك اليوم كلهم وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه وآله وجميع نساء المؤمنين معه . وأنشأ حسان بن ثابت في ذلك اليوم يقول :

يناديهم    يوم   الغدير  نبيُّهم

       بخُمّ  وأسمِعْ   بالرسول مناديا

وقال  فمن   مولاكمُ  ووليكم

        فقالوا ولم يُبْدوا  هناك التعاديا

إلهك   مولانا   وأنت   ولينا

       ولن تجدَنْ منا لك اليوم عاصيا

فقال  له  قم  يا  علي  فإنني

       رضيتك من بعدي  إماماً وهاديا

فمن  كنت  مولاه  فهذا  وليه

       فكونوا له أنصار  صِدق مَواليا

هنالك  دعا  اللهم  والِ  وليه

       وكن للذي عادى علياً معاديا(36)

ما نزل من القرآن
في ولاية علي عليه السلام

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِم ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ... يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67))المائدة/51-67

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3))المائدة/3 .

______________________

(1) نقلنا ترتيب خبر الغدير بمصادره من معالم المدرستين ج1/302-307 للعلامة العسكري .

(2) رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج1 ص192 وص193 .

(3) مجمع الزوائد ج9 ص163ـ 165 ، وابن كثير ج5 ص219 .

(4) مادة الجحفة من معجم البلدان . تقع الجحفة على اربع مراحل من مكة ، بينها وبين البحر ستة اميال وبينها وبين غدير خم ميلان .

(5) تاريخ ابن كثير ج5 ص213 .

(6) جمع سمرة وهي نوع من ا لشجر يستفاد من خشبة لتسقيف البيوت .

(7) القمامة الاوساخ ، وقم القمامة جمعها باليد لاخراجها من المكان لتنظيفه .

(8) مجمع الزوائد ، والسمر : نوع من الشجر ، وقريب منه لفظ ابن كثير ج5 ص209 .

(9) مسند احمد ج4 ص281 ، وسنن ابن ماجة باب فضل علي ج1 ص42 وتاريخ ابن كثير ج5 ص209 ،  ، ص5 : ج210 .

(10) مجمع الزوائد ج9 ص163 وص165  .

(11) مسند احمد ج4 ص372 ، وابن كثير ج5 ص212 .

(12) مسند أحمد ج4 ص2981 ، سنن ابن ماجة باب فضل علي ، وابن كثير ج5 ص212 . الهجير : شدة الحر .

(13) أي متقدمكم وسابقكم .

(14) كانت بصرى اسم لقرية بالقرب من دمشق ، واخرى بالقرب من بغداد .

(15) مجمع الزوائد وبعض الفاظه في روايات الحاكم ج3 ص109 وص110 ، وابن كثير ج7 ص386 .

(16) جمع قدح .

(17) مسند احمد ج1 ص118 ، 119 و ج4 ص281 ، وسنن ابن ماجة ج1 ص43 ح116 ، وورد (نعم) في مسند احمد ج4 ص281 ، 368 ، 370 ، 372 ، وابن كثير ج5 ص231 ، ولدى ابن كثير ج5 ص232 : (ألست أولى بكل أمرء من نفسه) .

(18) مسند احمد ج4 ص281 ، 268 ، 270 ، 372 ، وابن كثير ج5 ص321 ، 233 .

(19) اي بعضده .

(20) في رواية الحاكم الحسكاني ج1 ص258 فرفع يديه حتى بدى بياض ابطيه وفي ص231 منه : حتى بان بياض ابطيهما .

(21) الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج1 : 258 وعند ابن كثير ج5 ص209 : وانا مولى كل مؤمن .

(22) مسند احمد ج1 ص118 ، 119 و ج4 ص281 ، 370 ، 372 ، 373 و ص5 ص374 ، 370 ومستدرك الحاكم ج3 ص109 وسنن ابن ماجة والحاكم الحسكاني ج1 ص251 ،  ، وتاريخ ابن كثير ج5 ص209 ، وقال ابن كثير في ج5 ص209 فقلت لزيد : هل سمعته من رسول الله ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحدا لا رآه بعينه وسمعه باذنيه . ثم قال ابن كثير : قال شيخنا ابو عبد الله الذهبي ، وهذا حديث صحيح . مسند احمد ج1 ص118 ، ومجمع الزوائد ج9 ص106 ، شواهد التنزيل ج1 ص204 ، وتاريخ ابن كثير ج5 ص210 .

(23) شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 251 ، وتاريخ ابن كثير ج5 ص210 .

(24) شواهد التنزيل ج1 ص251 .

(25) رواه الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري ج1 ص201 حديث211 و212 ، وعن أبي هريرة : 213 وفي تاريخ ابن كثير ج5 ص214 بايجاز .

(26) اليعقوبي ج2 ص43 .

(27) شواهد التنزيل ج1 ص200 .

(28) كلمة تقال عند ا لاعجاب بالشيء .

(29) المصدر السابق .

(30) مسند احمد ج4 ص281 ، وسنن ابي ماجة باب فضائل علي والرياض النضرة ج2 ص169 ، ولفظ (بعد ذلك) في تاريخ ابن كثير ج5 ص210 .

(31) زاد المعاد لابن القيم فصل في ملابسه (صلى الله عليه وآله) .

(32) صحيح مسلم كتاب الحج : ص451-452 وسنن ابي داود باب العمائم .

(33) اي طرفها .

(34) الرياض النضرة ج2 ص289 ، أسد الغابة ج3 ص114 .

(35) التيجان : جمع تاج وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والفضة. كنز العمال عن الديلمي ج15 ص483 . (انتهى ما اوردناه من معالم المدرستين) . للعلامة العسكري .

(36) إعلام الورى ج1 ص263 .