شيعة العراق ـ التأسيس ـ التاريخ ـ المشروع السياسي
السيد سامي البدري

المشروع السياسي لشيعة العراق

أننا نقولها كلمة صريحة لشعبنا كله في العراق ، أن مشروع شيعة العراق للعراق إذا أرادوا لأنفسهم مشروعاً فهو إحياء دولة علي عليه السلام وهو مشروع يمثل خلاص العراق من الدكتاتورية والتخلف واستعادة دوره الإيجابي الفاعل في حركة التاريخ . وقد بينّا في ثنايا هذه الدراسة بشكل مختصر ملامح هذه التجربة . ونرجو أن نوفق لكتابة أكثر تفصيلاً في هذا الموضوع الحساس .

هذا المشروع الذي أوضحه وبينه الشهيد السعيد محمد باقر الصدر رحمه الله في كتاباته ، وبحوثه ، ومحاضراته ، وممن هو على نهج علي عليه السلام من العلماء والمثقفين.

وقد شاء الله تعالى أن يقترن إنهيار وزوال سلطة طاغية العراق بذكرى شهادة المرجع الراحل السيد الصدر محمد باقر بتاريخها الميلادي ، وأن تقترن رئاسة أول رئيس لمجلس الحكم وهو الداعية الدكتور إبراهيم الجعفري بذكرى صدور الحكم على كل منتم إلىحزب الدعوة بالإعدام ، وأن تقترن رئاسة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم بالقبض على رأس النظام وطاغية بغداد ، ويتحقق قوله تعالى فيه (فاليَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لمِنْ خَلْفَكَ آيَة) ، وكأن الله تعالى ـ/وهو صانع هذا الحدث وفق سننه/ ـ يريد أن يخاطب شعب العراق ويقول لهم: إن المشروع الصالح لبناء العراق وإنسانه هو مشروع المرجع الراحل محمد باقر الصدر قدس سره(1) ، فإنه مشروع موصول بمشروع رجالات الله الأوائل في العراق آدم ونوح وإبراهيم ، ثم رجالات الله أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام .

لقد تتابع مشروع النبوات الأولى (نبوة آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام) على أرض العراق ، وهو مما اتفقت عليه كتب الأنبياء عليهم السلام.

وتتابع عليها أيضا مشروع أوصياء النبي الخاتم صلى الله عليه وآله الأئمة من أهل بيته ، علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام.

وشاء الله تعالى ان يولد المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام المهدي الموعود على هذه الأرض الطيبة.

وأن يكون مراجع الشيعة الأوائل السفراء الأربعة عثمان بن سعيد ، وولده محمد بن عثمان بن سعيد ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ت329 هجرية رحمهم الله ، الذين اختارهم الإمام المهدي عليه السلام من العراقيين ، ليقوموا بنشاطهم في السفارة عنه في العراق أيضا ، وأن تكون هذه الأرض الطيبة مركز المرجعية الشيعية ، التي امتدت من بعدهم إلى اليوم ما عدا فترات قصيرة جدا. والشهيد الصدر رحمه اللهأحد مراجع الشيعة الوارثين لهذا المشروع العظيم والمعبرين عنه.

وأخيراً . .

فإن قَدَرَ الله تعالى للعراق أن يكون بلد المرحلة النهائية من مسيرة مشروع الأنبياء والأئمة عليهم السلام إذ سوف يتخذه المهدي والمسيح عليهما السلام محوراً لحركتهما في إحياء سنن الأنبياء وإحلال السلام وإقامة العدل في المجتمع البشري ، ثم فتح باب الحوار لحل الخلافات الفكرية المستعصية بتهيئة كل وسائل إثبات الحق اللازمة ، ومن ثم تسود عبادة الله تعالى وحده وفق دينه الواحد وكتابه الواحد وشريعته الواحدة التي قال عنها الله تعالى في كتابه ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ الشورى/13 ليحقق قوله تعالى ﴿وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء/105 وقوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ الفتح/28 (2).

______________________

(1) مرادي بمشروع الصدر ليس خصوص المشروع الشخصي بل المشروع الذي ينتمي إليه الصدر وهو المشروع الشيعي عموما ، ويحق لشيعة العراق وهم رواة تجربة علي عليه السلام وعلمه في بلدهم منذ أربعة عشر قرناً أن يعملوا على إحيائها وهى التجربة التي عاشوا في ظلها أروع عهد مع حاكم يفقِّه الناس ، ويربيهم على الجرأة على محاسبة السلطان ، ويعدل بينهم ويرعاهم كما يفعل الأب مع أبنائه ، التجربة التي لا يختلف على عدالتها ونزاهتها إثنان ، وقد تبنت أخيراً الأمم المتحدة مبادئ العدل التي كان يعمل بها علي عليه السلام في كتابها الإنمائي السنوي وأوصت حكام العالم العربي بها ، وقد عبر عن هذا المشروع الشهيد الصدر بصفته فقيها من فقهائه خير تعبير في كتاباته وبحوثه ومحاضراته ، ومن هنا فاننا نريد بعنوان (مشروع الصدر) الإشارة إلى هذا المعنى الأوسع ، وتشمل دائرة التعبير عنه الشخصيات العلمائية الأخرى التي برزت في الساحة العراقية في هذه الحقبة ، والحركات الشيعية ، سواء انتمت شخصياً إلى الصدر (رحمه الله) أو لم تنتم ، درست عنده أو لم تدرس نعم أكرم الله تعالى الصدر شخصياً بأن جعل من ذكرى شهادته الثالثة والعشرين بتاريخها الميلادي يوم زوال سلطة طاغية بغداد.

(2) كما تؤكده النصوص الإسلامية برواية الشيعة ورواية غيرهم من المسلمين وتشير إليه أيضا في رأينا نصوص من أسفار العهد القديم .

التالي | السابق