<< السابق | التالي >> | المحتويات | بحث | الرئيسية

شبهات وردود
الحلقة الثالثة : الرد على الشبهات التي أثارها كتاب أحمد الكاتب حول إمامة أهل البيت
الفصل الاول : موارد من الكتاب والرد عليها

المورد الأول : علي (عليه السلام) خليفة النبي (صلى الله عليه وآله)

قال : تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري ان عليا (عليه السلام) والعباس (رضي الله عنه) دخلا على النبي (صلى الله عليه وآله) وسألاه ان يستخلف فقال لا . . .

أقول : الرواية التي ذكرها المرتضى ليست من تراث الشيعة وانما نقلها عن القاضي عبد الجبار للرد عليها ! ! !

نص الشبهة

قال : « وبالرغم مما يذكر الإماميون من نصوص حول تعيين النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي بن ابي طالب كخليفة من بعده ، إلا ان تراثهم يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها .

تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى - وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري - ان العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبي (صلى الله عليه وآله) ان يسأله عن القائم بالأمر بعده ، فان كان لنا بينه وان كان لغيرنا وصى بنا . وان أمير المؤمنين قال : "دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ثقل ، فقلنا : يا رسول الله . . استخلف علينا ، فقال : لا ، إني أخاف ان تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون ، ولكن ان علم الله في قلوبكم خيرا اختار لكم" .

و يقول الكليني في (الكافى) نقلا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق : انه لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وامير المؤمنين فقال للعباس : ، يا عم محمد . . تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ . . فرد عليه فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح . قال فاطرق هنيهة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقض دينه ؟ . . فقال كرر كلامه . . قال : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها . ثم قال : يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ . . فقال : نعم بأبي أنت وأمي ذاك عليَّ ولي .

وهذه الوصية ، كما هو ملاحظ وصية عادية شخصية آنية ، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة ، والخلافة الدينية ، وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب ، فأشفق منها ، وتحملها الإمام أمير المؤمنين طواعية . وهناك وصية أخرى نقلها الشيخ المفيدفي بعض كتبه عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تقول ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصى بها إليه قبل وفاته ، وهي أيضا وصية أخلاقية روحية عامة ، وتتعلق بالنظر في الوقوف والصدقات . واذا القينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية كالكلينيوالمفيد والمرتضى ، فإننا نرى إنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة ، وترك الأمر شورى »  (1) .

الرد على الشبة

أقول : أما الرواية التي نسبها إلى الشريف المرتضى فهي مما أورده في كتابه الشافي ج3/91 كجزء من كلام القاضي عبد الجبارالمعتزلي في كتابه (المغنى الذي أورد عدة روايات تنفي ان يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوصى لعلي أو ان علياً (عليه السلام) قد أوصى للحسن (عليه السلام)وعقب عليها المرتضى (رحمهم الله) بقوله :

« والاخبار التي ادعاها (صاحب المغنى) لم تنقل الا من جهة واحدة (أي جهة أهل السنة) وجميع شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)على اختلاف مذاهبهم يدفعها وينكرها ويكذب رواتها فضلا عن ان ينقلها ولا شىء منها الا ومتى فتشت عن ناقله واصله وجدته صادراً عن متعصب مشهور الانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) والاعراض عنهم »  (2) .

وفي ضوء ذلك يتضح ان هذه الرواية ليست من تراث الشيعة وان الشريف المرتضى حين أوردها لم يكن مصدقاً بها بل رادا عليها فهل حقا غفل الاستاذ الكاتب عن ذلك ؟

اما رواية الكليني فهي رواية ضعيفة ومعارضة لروايات كثيرة جداً في الكافي نفسه تؤكد انََّ عليا وارث تراث محمد (صلى الله عليه وآله)قبل حادثة وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) .

اما رواية الشيخ المفيد في اماليه /المجلس السادس والعشرون/ ص 220-221 فهي وصية أخلاقية عامة من النبي (صلى الله عليه وآله)لعلي (عليه السلام) ومن علي لولده الحسن وليس معنى ذلك عدم وجود وصية أخرى في موضوع آخر فلا تعارض بينهما أصلا .

لقد كان ينبغي على (الاستاذ الكاتب) ان يبحث المسألة بحثاً علميا فيورد كل روايات الوصية في المصادر الشيعية والسنية ويناقشها مناقشة علمية سندا ودلالة أما ان يكتفي بما ذكر ليقول بعده « وإذا القينا نظرة على هذه الروايات التي يذكرها اقطاب الشيعة الامامية كالكليني والمفيد والمرتضى فاننا نرى انها تكشف عن عدم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) للامام علي بالخلافة والامامة . . وترك الأمر شورى »فهو مما لا يرتضيه منه قارىء يحترم عقله ووقته .

والى القارىء الكريم نموذج من روايات الوصية التي ذكرها المفسرون والمؤرخون والمحدثون .

روى الطبري في تفسير قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ) الشعراء/214 عن ابن حميد قال « ثنا سلمة قال : ثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب قال :

لمانزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله فقال لى : يا علي ان الله امرني ان انذر عشيرتي الأقربين ، قال : فضقت بذلك ذرعاً ،وعرفت اني متى ما أُبادِهُّم بهذا الامر أرَ منهم ما اكره فَصَمَتُُّ ، حتى جاء جبرئيل فقال : يا محمد ، انك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتى اكلمهم ، وابلغهم ما امرت به ، ففعلت ما امرني به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلاً يزيدون رجلاً او ينقصونه ، فيهم اعمامه ابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله (عليه السلام) حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها في نواحي الصحفة ، وقال : خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشىء حاجة ، وما ارى الا مواضع ايديهم ، وايم الله الذي نفس علي بيده ، ان كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : اسق الناس ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً وايم الله ان كان الرجل الواحد منم ليشرب مثله ، فلما اراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يكلمهم ، بدره ابو لهب الى الكلام فقال لشد ما سحركم به صاحبكم ، فتفرق القوم ، ولم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال من الغد : يا علي ، ان هذا الرجل قد سبقني الى ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل ان اكلمهم ، فعد لنا من الطعام مثل الذي صنعت ، ثم اجمعهم لي ، قال ، ففعلت ، ثم جمعتهم ،ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالامس ، فأكلوا حتى ما لهم بشىء حاجة ، قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً .

ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يا بني عبد المطلب ، اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به . اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد امرني الله ان أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني

على هذا الامر على ان يكون اخي وكذا وكذا .

قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت واني لاحدثهم سناً ، وارمصهم عيناً ، واعظمهم بطناً ، واحمشهم ساقاً انا يا نبي الله انا اكون وزيرك .

فأخذ برقبتي ثم قال : ان هذا اخي وكذا وكذا فاسمعوا له واطيعوا .

قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع »  (3) .

اقول : قوله (كذا وكذا) في الموردين حذف لأصل الكلام من النساخ الاوائل كما يظهر من رواية الطبري الآتية حيث أوردها في تاريخه بالسند نفسه وفيها « على ان يكون اخي ووصيي وخلفيتي فيكم » « ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم »  (4) .

ورواها ابن عساكر بسنده إلى نصر بن سليمان قال انبأنا محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) وفيها « فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم »  (5) .

ورواها ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير الطبري وفيها « على ان يكون اخي وكذا و كذا » في الموردين .

ثم علق عليها ابن كثير بقوله : « تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم ابي مريم وهو متروك كذاب شيعي اتهمه علي بن المدينيوغيره بوضع الحديث »  (6) .

اقول : وعبد الغفار بن القاسم كنيته ابو مريم الانصاري النجاري عداده في اهل الكوفة يروي عنه شعبة والكوفيون وقد اتهموه ايضا بشرب الخمر كما اتهموا السيد الحميري الشاعر المعروف بولائه لأهل البيت بذلك .

والسر في ذلك هو روايته لهذا الحديث ونظائره في فضائل علي (عليه السلام) ، وروايته في مثالب عثمان .

قال احمد بن حنبل : « كان ابو مريم يحدث ببلايا في عثمان »  (7) .

قال ابن حبان : « وكان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان »  (8) .

وقال الدار قطنى : « متروك ، وهو شيخ شعبة اثنى عليه شعبة وخفي على شعبة امره »  (9) .

ونُقِلَ عن شعبة قوله : « لم أَرَ احفظ منه » .

قال الذهبي : « بقي الى قريب الستين ومائة وكان ذا اعتناء بالعلم والرجال وقد اخذ عنه شعبة ولما تبيََّن له انه ليس بثقة تركه »  (10) .

اقول : أي اخذ عنه شعبة وتعلم منه لماعندما لم يكن يحدث ببلايا عن عثمان فلما حدث بها تركه كما يظهر من قول ابن المديني الاتي .

قال علي ابن المديني : « وكان لشعبة (في عبد الغفار) رأيٌ وتعلََّمَ منه زعموا توقيف الرجال ثم ظهر منه رأي ردىء في الرفض فترك حديثه »  (11) .

وقال ابن عدى : « وسمعت احمد بن محمد بن سعيد (ابن عقدة)  (12) (تـ 332) يثني على ابي مريم ويطريه وتجاوز الحد في مدحه حتى قال : لو انتشر علم ابي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس الى شعبة »  (13) .

وقد فات ابن كثير ان قريباً من سياق حديث الطبري قد رواه احمد بن حنبل في مسنده ج1/159 بسند آخر من غير طريق عبد الغفار قال احمد حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي (عليه السلام) وفيها « ويكون اخي وصاحبي ووارثي » .

وروى احمد في مسنده 1/111 بسند آخر قال : حدثنا اسود بن عامر قال حدثنا شريك عن الاعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الاسلامي عن علي (عليه السلام) وفيها « ويكون خليفتي » .

وقد رواها قريباً من هذا السياق ايضاً ابو الحسن الثعلبي في تفسيره بسنده عن الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن ابي اسحق عن البراء بن عازب .

ورواها ايضا قريباً من هذا السياق الثعلبي في تفسيره وابن عساكرفي تاريخ دمشق بسندهما عن ابي رافع .

اقول : وقد يشكل بعد الاذعان بصحتها بانها معارضة بما رواه الطبري واحمد واصحاب الصحاح عن عائشة وابن عباس وابي هريرة من انه لما نزل قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ). واللفظ لاحمد « دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشاً فعمََّ وخص فقال يا معشر قريش انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني كعب انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني عبد مناف انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني هاشم انقذوا انفسكم من النار يا بني عبد المطلب انقذوا انفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من الله فاني والله لا املك لكم من الله شيئا ، الا ان لكم رحما سأبلها ببلالها » (المسند 2/360) .

ويرد عليه ان عائشة وابن عباس كانا طفلين في ذلك الوقت او لم يكونا قد ولدا بعد اما ابو هريرة فلم يكن قد اسلم انذاك وكان في اليمن فلم يكن اذن من شهود الواقعة بخلاف علي (عليه السلام) حيث شهدها وجرت على يديه ورواها عنه ابن عباس وعباد بن عبيد الله الاسديوربيعة بن ناجذوالبراء بن عازب وابو رافع وابنه عبيد الله الذي كان كاتبا لعلي (عليه السلام) .

هذا مضافاً الى ان لفظ العشيرة على فرض التسليم بانه مشترك بين بني الاب الادنين او القبيلة فان لفظة (الاقربين) قرينة صريحة في ارادة معنى بني الاب الادنين وهم بنو هاشم دون قريش ومما يؤكد هذا ما رواه البخاريعن جبير بن مطعم قال : « مشينا وعثمان بن عفان الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا يا رسول الله اعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انما بنو المطلبوبنو هاشم شىء واحد » ، ويؤكد ذلك ما ذكروه ايضا في (ذوي القربى) انه لفظ عام خُصَّ ببني هاشم والمطلب  (14) .

اقول : مضافا الى ذلك فإن قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي في هذه المناسبة انه اخوه ووصيه وصاحبه ووارثه ووزيره وخليفته تصدقه احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) الاخرى كحديث المؤاخاة حيث اخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين علي فقال له : « انت اخي في الدنيا والاخرة » ، وقال له : « انت اخي وصاحبي » ، وان عليا كان يقول : « والله اني لأخو رسول الله ووليه » . ويقول : « انا عبد الله وأخو رسوله لم يقلها قبلي ولا يقولها احد بعدي الا كذاب مفتر »  (15) .

وحديث المنزلة حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي : « انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي » رواه البخاري وغيره ، وهذا الحديث من اقوى الشواهد على صدق ما روي عن علي (عليه السلام) في قصة الانذار .

والقرآن يقول عن موسى : (وَاجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ... قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَك يَا مُوسَى) طه/29-36 .

وقد كان هذا قبل مجىء موسى الى مصر واجتماعه بأهل بيته فلما قدم مصر و اجتمع معهم ابلغهم شأن هارون وموقعه من رسالته وانه نبي ووزير وخليفة ووصي .

ولما كان موقع علي (عليه السلام) من محمد (صلى الله عليه وآله) ورسالته كموقع هارون من موسىورسالته الا ان عليا لم يكن نبيا ، فقد شاءت الحكمة الإلهية ان يكون انذار محمد (صلى الله عليه وآله) لعشيرته الاقربين شبيها بانذار موسى لعشيرته الاقربين .

ففي القرآن الكريم قوله تعالى (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِْ)الأحقاف/10 والضمير في (مثله) يعود الى الشاهد من بني اسرائيل وهو موسى .

وفي التوراة في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرات 15-22 « يقيم لك الرب من اقرباء اخيك نبياً مثلي » « سأقيم لهم من اقرباء اخيهم نبيا مثلك واضع كلامي في فمه لكي يبلغهم جميع ما امره به » .

وفي القرآن الكريم (إِنََّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) المزمل/15 .

ان هذه المثلية بين محمد (صلى الله عليه وآله) وموسى (عليه السلام) قد تحققت بشكلها الكامل من خلال قصة انذار الغشيرة وابلاغ الناس ان لمحمد (صلى الله عليه وآله) منذ البدء وزيراً وخليفة وهو اخوه علي كما ان لموسى وزيراً وخليفة هو اخوه هارون ، ولم يعرض القرآن الكريم في قصص انبيائه نبيا له وزير كموسى من هذه الناحية .

وقد اقترن شخص محمد (صلى الله عليه وآله) بشخص علي لدى قريش في العهد المكي فضلا عن العهد المدني روى ابن الأثير في اسد الغابة « ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي ليلة الهجرة : ان قريشا لم يفقدوني ما رأوك ، فلما أصبح ورأوا عليا قالوا : لو خرج محمد لخرج بعلي معه »  (16) .

وقد بلغ موسى ووزيره هارون الرسالة الى فرعون وتحمل موسى وهارون من فرعون ومن قومهما ما تحملا وقد جعل الله الامامة من بعد موسى في ذرية هارون .

وقال تعالى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمََّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، وَقَطََّعْنَاهُمْ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا) الاعراف / 159 -160 .

وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا)المائدة/12 .

وكذلك بلََّغ محمد (صلى الله عليه وآله) ووزيره عليٌ الرسالة الى قريش ومن آمن منهم ومن غيرهم وتحملا من قومهما ما تحملا ، وقد جعل الله الامامة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في ذرية علي وقال تعالى : (وَمِمََّنْ خَلَقْنَا أُمََّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الأعراف/181 وقد ذكر المفسرون ان هذه الاية في امة محمد (صلى الله عليه وآله) وقال تعالى : (ثُمََّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الََّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ) فاطر/32 وقد تظافرت الروايات عن اهل البيت (عليهم السلام) انهم هم الذي اورثهم الله الكتاب وعلومه وجعلهم سابقين بالخيرات باذن الله أي جعلهم ائمة هدى للناس  (17) .

وقد تظافرت الروايات من اهل السنة والشيعة ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال : « ان الأئمة من بعده اثنا عشر عدتهم عدة نقباء بني اسرائيل »  (18) .

اما صفة علي كوصي للنبي (صلى الله عليه وآله) الواردة في حديث الانذار فقد تكررت منه (صلى الله عليه وآله)في مناسبات عدة منها جوابه (صلى الله عليه وآله)لسلمان لما سأله عن وصيه اجابه ان وصيي علي (عليه السلام)  (19) .

ومنها ما رواه ابن حبان بسنده عن خالد بن عبيد الله العتكي من اهل البصرة سكن مرو عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله)« هذا (علي) وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي »  (20) .

وقد عُرِفَت عن علي (عليه السلام) هذه الصفة واشتهرت له حتى صارت مختصة به فاذا قيل الوصي انصرف الذهن الى علي (عليه السلام) وقد نظمها الشعراء منذ صدر الاسلام والى اليوم .

قال ابن ابي الحديد : « ومما رويناه من الشعر القول في صدر الاسلام المتضمن كونه (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول عبد الله بن ابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :

ومنا علي ذاك صاحب خيبر *** وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصي النبي المصطفى وابن عمه *** فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وقال ابو الهيثم بن التيهان وكان بدريا :

ان الوصي امامنا وولينا *** برح الخفاء وباحت الاسرار

الى غيرها مما نقله عن كتاب وقعة الجمل ، لابي مخنف ثم علق عليها ابن ابي الحديد قائلا : ذكر هذه الاشعار والاراجيز باجمعها ابو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل ، وابو مخنف من المحدِّثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها .

ثم ذكر ابن ابي الحديد نماذج اخرى من اشعار صفين تتضمن تسميته (عليه السلام) بالوصي مما ذكره ابن مزاحم ثم قال ابن ابي الحديد : والاشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ولكنا ذكرنا منها ها هنا بعض ما قيل فاما ما عداها فانه يجل عن الحصر ويعظم عن الاحصاء والعد ولولا خوف الملالة والاضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ اوراقا كثيرة »  (21) .

ومن الطريف ان الاستاذ الكاتب فى الوقت الذي يجعل من وصية النبي (صلى الله عليه وآله)لعلىوصية شخصية وعادية يستشهد برسالة محمد بن عبد الله بن الحسن الى ابي جعفر المنصور فيذكر قوله « فان الحق حقناوانما ادعيتم هذا الامر بنا ، وخرجتم له بشيعتنا وحضيتم بفضلنا وان ابانا علي كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده احياء ؟ » الكتاب ص 35 .

وليس من شك ان هذه الوصية التي يذكرها محمد بن عبد الله بن الحسن هنا ليست وصية عادية اذ لو كانت كذلك فلا مزية فيها خاصة لعلي وهو فى مقام الاحتجاج على المنصور بان الحق حقهم ، وقوله « ان ابانا علي كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده احياء ؟ » صريح في ان هذه الوصية ذات جنبة سياسية ترتبط بولاية الحكم .

______________________

(1) احمد الكاتب - تطور الفكر السياسي الشيعي : 11-12 .

(2) الشافي ج3/98 .

(3) تفسير الطبري . ج19/121-122 .

(4) تاريخ الطبري 2/319-321 ، وقد رواها مختصرة في ص321 بسند اخر هو زكريا بني يحيى الضرير قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ . وفيها (ويكون اخي وصاحبي ووارثى) .

(5) تاريخ دمشق ترجمة علي (عليه السلام) .

(6) تفسير ابن كثير الآية (وانذر عشيرتك الأقربين) .

(7) ميزان الاعتدال ترجمة عبد الغفار الانصاري ج2/640 .

(8) كتاب المجروحين لابن حبان2/143 .

(9) لسان الميزان ج4/412 -414 تحقيق المرعشلي .

(10) ميزان الاعتدال .

(11) اقول وموقفهم من عبد الغفار نظير موقفهم من جابر بن يزيد الجعفي قال الذهبى: جابر احد علماء الشيعة ، روى عن ابي الطفيل وخلق وروى عنه شعبة وابو عوانة وعدة . وقال ابن حجر في ترجمته: قال ابن مهدي عن سفيان: ما رأيت اورع في الحديث من جابر ، وقال ابن علية عن شعبة: جابر صدوق في الحديث ، وقال ايضا: كان جابر اذا قال حدثنا وسمعت فهو من اوثق الناس وقال زهير بن معاوية كان اذا قال سمعت او سألت فهو من اصدق الناس وقال وكيع: مهما شككتم في شىء فلا تشكوا في ان جابراً ثقة .
اقول: غير انهم اتهموه بالكذب وتكلموا فيه لما اظهر الايمان بالرجعة .
قال ابن عدي في الكامل في ترجمة جابر: وقد احتمله الناس ورووا عنه وعامة ما قذفوه انه كان يؤمن بالرجعة .
وقال زائدة: كان جابر الجعفي كذاباً يؤمن بالرجعة .
وقال يحيى بن معين وكان جابر كذاباً لا يكتب حديثه ولا كرامة ليس بشىء .
وقال سفيان لشعبة لما بدأ يتكلم في جابر وتغير رأيه فيه: لان تكلمت في جابر الجعفي لاتكلمنََّ فيك . وقال معلى بن منصور قال لي ابو عوانة كان سفيان (ابن عيينة) وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وقال وكيع قيل لشعبة لم طرحت فلانا وفلانا ورويت عن جابر قال لانه جاء باحاديث لم نصبر عنها .
وقال ابن حبان: كان جابر سبائياً من اصحاب عبد الله بن سبأ وكان يقول ان عليا يرجع الى الدنيا فان احتج محتج بان شعبة والثوري رويا عنه قلنا الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء و أما شعبة وغيره فرأوا عنده اشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها فربما ذكر احدهم عنه الشىء بعد الشىء على جهة التعجب .(ميزان الاعتدال . الكامل في الضعفاء تهذيب التهذيب) .

(12) قال ابن عدي في ترجمته: لولا اني شرطت ان اذكر من تكلم فيه لم اذكره للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة  .

(13) الكامل في الضعفاء ترجمة عبد الغفار الانصاري ج5/327 والملاحظ ان الذهبي لم يذكر ما نقله ابن عدي من ثناء ابن عقدة على ابي مريم مع ان كتاب ابن عدي هو المتن المعتمد لديه في تأليف ميزان الاعتدال .

(14) فتح الباري ج6/186-178 .

(15) الدرر في اختصار المغازي والسير ابن عبد البر تحقيق شوقي ضعيف /90-91 .

(16) اسد الغابة ج4/96 .

(17) انظر تفسير نور الثقلين وتفسير البرهان الآية .

(18) وقد مرت مصادر ذلك في الحلقة الأولى الفصل الثامن .

(19) وقد مرت مصادر الحديث في الحلقة الاولى الفصل التاسع .

(20) كتاب المجروحين ج1 .

(21) شرح النهج ج1/143-150 وقد بحث العلامة العسكري صفة علي (عليه السلام) كوصي النبى (صلى الله عليه وآله)في كتابه القيم معالم المدرستين ج1/295-328 .

<< السابق | التالي >> | المحتويات | بحث | الرئيسية

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري