<< السابق | التالي >> | المحتويات | بحث | الرئيسية

شبهات وردود
بحث تمهيدي حول الامامة الالهية ونظام الحكم

نظرية الحكم

نتناولها اولا في الفكر السني ويهمنا من بحث نظرية الحكم هنا ثلاثة امور بشكل مختصر وهي :

نظرية الحكم في الفكر السني :

الامر الاول : الشخص المؤهل لاقامة الحكم الاسلامي

الذي نحرزه وان لم يحضرنا موضعه في كتاب معين هو ان الفكر السني يميز في هذا الامر بين فترتين :

الفترة الاولى فترة وجود النبي : والشخص المستحق للحكم هو النبي وحده لمكان نبوته ورسالته ويحرم تقدم أي شخص على النبي في هذا الموقع وفي غيره لكونه اولى بكل مسلم من نفسه ورسالته قال تعالى : (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب/6 . وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الحجرات/1 . وغيرها وفي الواقع فإن هذه المسالة من البديهيات .

الفترة الثانية فترة ما بعد النبي (صلى الله عليه وآله) : ويرى مفكرو اهل السنة ان المؤهل للحكم هو العالم بالكتاب والسنة وان الصحابة كلهم مؤهلون على تفاضل بينهم في العلم والكفاءة . وفي جيل ما بعد الصحابة يشترط الكثير من الفقهاء في الحاكم ان يكون فقيها . قال الشريف الجرجاني في شرحه على مواقف عضد الدين : (الجمهور على ان الامامة ومستحقها من هو مجتهد في الاصول والفروع)  (1) .

الامر الثاني : الطريقة التي توصل الشخص المؤهل الى موقع الحكم ومصدر سلطة الحاكم 

يرى فقهاء اهل السنة ان الطريقة المشروعة التي توصل الانسان الى الحكم وتمنحه السلطة هي البيعة ، والاساس في ذلك سنة النبي (صلى الله عليه وآله) مع ملاحظة ان النبي ينص القرآن على ولايته ، وهناك من الفقهاء من اعطى مشروعية لما يسمى بالامر الواقع او الغلبة ، ففي حالة اختلاف الناس وكثرة المتصدين وكون كل متصدي له جماعة بايعته على القتال يكون الحكم شرعا لمن غلب كما في حالة مروان وابنه عبد الملك وغيرهما .

ولا خلاف عند مؤرخي الاسلام ان البيعة التي تمت في عهد الرسول وقامت دولة الرسول على أثرها كانت قد تمت من قبل سبعين شخصا وامرأتين ممثلين عن اهل المدينة وهي بيعة العقبة الثانية المشهورة ، وأكد هذا التمثيل استقبال غالبية اهل المدينة للنبي عندما قدم الى المدينة .

ثم اختلف فقهاء السنة بعد ذلك هل تنعقد الحكومة ببيعة الواحد و الاثنين والخمسة وبعهد الحاكم السابق ؟

قال الماوردي (ت : 450 هـ) في الاحكام السلطانية  (2) وأبو يعلى (ت : 458 هـ) في الاحكام السلطانية  (3) : تنعقد الامامة باختيار أهل الحلّ والعقد ، وبعهد الامام من قبل .

فأمّا انعقادها باختيار أهل الحلّ والعقد ، فقد اختلف العلماء في عدد مَن تنعقد به الامامة منهم على مذاهب شتّى :

فقالت طائفة : لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد ليكون الرضا به عامّاً والتسليم لامامته إجماعاً ، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر (رضي الله عنه) على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها .

وقالت طائفة اُخرى : اقلّ من تنعقد به منهم الامامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الاربعة استدلالاً بأمرين أحدهما : أنّ بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثمّ تابعهم الناس فيها ، وهم عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، واُسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة (رضي الله عنه) . والثاني : أنّ عمر (رضي الله عنه) جعل الشورى في ستّة ليعقد لاحدهم برضا الخمسة . وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من أهل البصرة .

وقال آخرون من أهل الكوفة : تنعقد بثلاثة يتولاّها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكماً وشاهدين كما يصحّ عقد النكاح بولىّ وشاهدين .

وقالت طائفة اُخرى : تنعقد بواحد ، لانّ العباس قال لعلي رضوان الله عليهما : اُمدد يدك اُبايعك ، فيقول الناس عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايع ابن عمّه ، فلا يختلف عليك اثنان ، ولا نّه حكم وحكم واحد نافذ)  (4) .

(وأمّا انعقاد الامامة بعهد من قبله ، فهو ممّا انعقد الاجتماع على جوازه ووقع الاتّفاق على صحّته لامرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما ، أحدهما : أنّ أبا بكر (رضي الله عنه) عهد بها إلى عمر (رضي الله عنه) فأثبت المسلمون إمامته بعهده . والثاني : أنّ عمر (رضي الله عنه) عهد بها إلى أهل الشورى . . . لانّ بيعة عمر (رضي الله عنه) لم تتوقّف على رضا الصحابة ، ولانّ الامام أحقّ بها)  (5) .

وقال إمام الحرمين الجويني (ت : 478 هـ) في باب الاختيار وصفته وذكر ما ينعقد به الامامة من كتاب الارشاد : (إعلموا أ نّه لا يشترط في عقد الامامة الاجماع ، بل تنعقد الامامة وإن لم تجمع الاُمّة على عقدها . والدليل عليه أنّ الامامة لمّا عقدت لابي بكر ابتدر لامضاء أحكام المسلمين ، ولم يتأنّ لانتشار الاخبار إلى من نأى من الصحابة في الاقطار ، ولم ينكر عليه منكر ، ولم يحمله على التريّث حامل . فإذا لم يشترط الاجماع في عقد الامامة ، لم يثبت عدد معدود ، ولا حدّ محدود ، فالوجه الحكم بأنّ الامامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ والعقد)  (6) .

وقال الامام ابن العربي (ت : 543 هـ) : (لا يلزم في عقد البيعة للامام أن تكون من جميع الانام ، بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد)  (7) .

وقال الشيخ الفقيه الامام العلاّمة المحدّث القرطبي (ت : 671 هـ) في المسألة الثامنة في تفسير (إنِّي جاعِلٌ في الارْضِ خَلِيفة) البقرة / 30 ، من تفسير سورة البقرة : (فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد فذلك ثابت ، ويلزم الغير فعله ، خلافاً لبعض الناس حيث قال : لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد . ودليلنا أنّ عمر (رضي الله عنه) عقد البيعة لابي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك ، فوجب ألاّ يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود) .

وقال الامام أبو المعالي : (من انعقدت له الامامة بعقد واحد فقد لزمت ، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغيّر أمر ، قالوهذا مجمع عليه) .

وقال في المسألة الخامسة عشرة من تفسير الاية : (إذا انعقدت الامامة باتّفاق أهل الحلّ والعقد أو بواحد على ما تقدّم وجب على الناس كافّة مبايعته)  (8) .

وقال عضد الدين الايجي (ت : 756 هـ) في المواقف : المقصد الثالث في ما تثبت به الامامة ، ما ملخّصه : أ نّها تثبت بالنصّ من الرسول ، ومن الامام السابق بالاجماع ، وتثبت ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة . دليلنا ثبوت إمامة أبي بكر (رضي الله عنه) بالبيعة .

وقال : إذا ثبت حصول الامامة بالاختيار والبيعة ، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الاجماع ، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف ، لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لابي بكروعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم يشترطوا اجتماع مَن في المدينة فضلاً عن إجماع الاُمّة . هذا ولم ينكر عليهم أحد ، وعليه انطوت الاعصار إلى وقتنا هذا  (9) .

ونقل أبو يعلى الفرّاء الحنبلي في الاحكام السلطانية  (10) قول بعضهم : إنّها تثبت بالقهر والغلبة ، ولا تفتقر إلى العقد . . . ومن غلب عليهم بالسيف حتّى صار خليفة وسمّي أمير المؤمنين ، فلا يحلّ لاحد يؤمن بالله واليوم الاخر أن يبيت ولا يراه إماماً برّاً كان أو فاجراً ، فهو أمير المؤمنين . . . وقال في الامام يخرج عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم : (تكون الجمعة مع من غلب) واحتجّ بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة وقال : (نحن مع من غلب)  (11) .

الامر الثالث : الموقف من الحاكم إذا خالف الشريعة 

يوجد اتجاهان فقهيان لدى أهل السنة في هذه المسالة احدهما يحرم الخروج على الحاكم الظالم والثاني تؤيد الخروج .

قال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الاُمراء في غير معصية : (وقال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك ، بل يجب وعظه وتخويفه للاحاديث الواردة في ذلك) . وقال : (وأمّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الاحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنّة أ نّه لا ينعزل السلطان بالفسق)  (12) .

وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب الباقلاني (ت : 403 هـ) في كتاب التمهيد  (13) في باب ذكر ما يوجب خلع الامام وسقوط فرض طاعته ما ملخّصه : (قال الجمهور من أهل الاثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع الامام بفسقه وظلمه بغصب الاموال ، وضرب الابشار ، وتناول النفوس المحرّمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شىء ممّا يدعو إليه من معاصي الله . واحتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) وعن الصحابة في وجوب طاعة الائمة وإن جاروا واستأثروا بالاموال ، وأ نّه قال (عليه السلام) : اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشي ، وصلّوا وراء كلّ برّ وفاجر . وروي أ نّه قال : أطِعْهم وإن أكلوا مالك ، وضربوا ظهرك) .

وهناك من تحدث من الفقهاء عن عزل الحاكم لفسقه وجوره كالشافعي والغزالي في احياء علوم الدين  (14) .

قال عضد الدين الايجي : (للامة خلع الامام وعزله بسبب) المواقف ج 8 /353 وقال الشارح : مثل ان يوجد منه ما يوجب اختلال احوال المسلمين وانتكاس امور الدين كما لهم نصبه واقامته لإنتظامها وإعلائها .

وقال ابن حزم : فهو الامام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله وينة رسوله (صلى الله عليه وآله)فإن زاغ عن شئ منهما منع من ذلك وأقيم عليه الحد والحق فإن لم يؤمن أذاه الا بخلعه خلع وولي غيره  (15) .

نظرية الحكم في الفكر الشيعي :

الامر الاول : الشخص المؤهل لاقامة الحكم الاسلامي 

يميز الفكر الشيعي من هذه الناحية بين ثلاث فترات :

الفترة الاولى : هي فترة النبي (صلى الله عليه وآله) ويلتقي الفكر السني مع الفكر الشيعي من ناحية كون الشخص الوحيد المؤهل والمستحق للحكم هو النبي وحرمة تقدم غيره عليه في هذه الناحية وفي غيرها للنص القرآني (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)الأحزاب/6 .

الفترة الثانية : وهي فترة الائمة الاثني عشر وهذه الفترة هي موضع الخلاف بين الشيعة وأهل السنة حيث يرى الشيعة ان هؤلاء الائمة الاثني عشر لهم امتياز في الحكم كامتياز النبي لانتقال ولايته اليهم (من كنت مولاه فعلي مولاه) فكل واحد منهم في زمانه هو المؤهل الوحيد وحرمة تقدم شخص آخر عليه .

الفترة الثالثة : وهي فترة غيبة الامام الثاني عشر المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام)ولا يختلف الشيعة في كون الشخص المؤهل لتنفيذ الاحكام هو الفقيه العادل . وانما اختلفوا في سعة صلاحياته وضيقها كما سيأتي .

قال الشيخ المفيد (ت413) في المقنعة : اما اقامة الحدود فهو إلى سلطان الاسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم ائمة الهدى من آل محمد (عليهم السلام) ، ومن نصبوه لذلك من الامراء والحكام ، وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الامكان . فمن تمكن من إقامتها على ولده وعبده ، ولم يخف من سلطان الجور إضرارا به على ذلك ، فليقمها . ومن خاف من الظالمين اعتراضا عليه في إقامتها ، أو خاف ضررا بذلك على نفسه ، أو على الدين ، فقد سقط عنه فرضها .

وكذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من قومه ، وأمن بوائق الظالمين في ذلك ، فقد لزمه إقامة الحدود عليهم ، فليقطع سارقهم ، ويجلد زانيهم ، ويقتل قاتلهم . وهذا فرض متعين على من نصبه المتغلب لذلك على ظاهر خلافته له أو الامارة من قبله على قوم من رعيته ، فيلزمه إقامة الحدود ، وتنفيذ الاحكام ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وجهاد الكفار ومن يستحق ذلك من الفجار ، ويجب على إخوانه من المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم يتجاوز حدا من حدود الايمان ، أو يكون مطيعا في معصية الله تعالى من نصبه من سلطان الضلال . فإن كان على وفاق للظالمين في شئ يخالف الله تعالى به لم يجز لاحد من المؤمنين معونته فيه ، وجاز لهم معونته بما يكون به مطيعا لله تعالى من إقامة وإنفاذ حكم على حسب ما تقتضيه الشريعة دون ما خالفها من أحكام أهل الضلال .

وللفقهاء من شيعة الائمة (عليهم السلام) أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمسوصلوات الاعياد ، الاستسقاء ، والكسوف ، والخسوف ، إذا تمكنوا من ذلك ، وأمنوا فيه من معرة أهل الفساد . ولهم أن يقضوا بينهم بالحق ، ويصلحوا بين المختلفين في الدعاوى عند عدم البينات ، ويفعلوا جميع ما جعل الى القضاة في الاسلام لان الائمة عليهم السلام قد فوضوا إليهم ذلك عند تمكنهم منه بما ثبت عنهم فيه من الاخبار ، وصح به النقل عند أهل المعرفة به من الآثار  (16) .

الامر الثاني : الطريقة التي توصل الشخص المؤهل الى موقع الحكم ومصدر سلطة الحاكم 

لا يختلف الشيعة حول سلطة النبي والائمة الاثني عشر في الحكم ان مصدرها النص من الله على نبيه في القرآن او النص من نبيه على علي (عليه السلام) ومادور البيعة الا دور النصرة والتمكين .

قال السيد كاظم الحائري : ان المعصوم (عليهم السلام) على رغم ان له ولاية الامر والحكومة بتشريع من قبل الله تعالى لم يكن من المقرر الهيا ان يرضخهم لما له من حق الحكومة بالاكراه الاعجازي ، كما انه لا تجبر الامة على الاحكام الاخرى كالصلاة والصوم بالجبر الاعجازي والا لبطل الثواب والجزاء ، لان الناس يصبحون مسيرين عن غير اختيار . بل كان من المقرر ان يصل المعصوم الى السلطة بالطرق الاعتيادية ومن الواضح الوصول الى السلطة بالطريق الاعتيادي وبغير الاعجاز ينحصر في وجود ناصرين له من البشر ، فكان اخذ البيعة منهم لاجل التأكد من وجود ثلة كافية من الامة تعهدوا بنصر المعصوم والعمل معه في جهاده وسائر اموره الحكومية ولولاهم لعجز المعصوم حسب القوة البشرية ومن دون الاعجاز عن تحقيق السلطة والحكومة خارجا  (17) .

ويختلف فقهاء الشيعة في تشخيص مصدر سلطة الفقيه وفي حدودها سعة وضيقا .

فمنهم من حصرها في نطاق الامور الحسبية  (18) وهناك من وسعها لتشمل ما كان المعصوم يمارسه من ولاية في المجتمع وهؤلاء ينظرون الى البيعة على ان دورها ايضا دور تأكيدي لا غير  (19) .

وهناك من الفقهاء من يرى ان الفقيه ليست له ولاية الا بعد بيعة جمهور الامة حيث ان منشأ ولايته هو البيعة والنصوص جاءت لتفيد ان غير الفقيه ليس مؤهلا لهذا الموقع  (20) .

الامر الثالث : الموقف من الحاكم اذا خالف احكام الشريعة

ان الموقف الشيعي من هذا المسألة ينبغي ان يعالج في فترتين وهما :

الفترة الاولى : فترة وجود الامام المعصوم ظاهرا في المجتمع : والثابت من سيرة الائمة (عليهم السلام) والمعروف من اقولهم انهم يرون القيام ضد الحاكم الجائر في حالة توفر الناصر الكافي مع عدم وجود تعهد بعدم القيام من قبل الامام وشيعته مع ذلك الحاكم ، وأوضح مثال هو موقف الامام الحسين (عليه السلام) من معاوية حيث توفرت كل مبررات القيام بوجهه وبخاصة بعد قتل حجر واصحابه (رض) ومع ذلك لم يقم واوصى شيعته بالسكوت الى ما بعد وفاة معاوية ثم رأيناه يقبل بيعة وجوه اصحاب ابيه على نصرته ضد الامويين بعد موت معاوية ليطيح بالنظام الذي اسسه وشيده .

وحين لا تتوفر شروط القيام من وجود الناصر وغيره يكون السكوت والتقية وعدم اظهار الخلاف السياسي هو الموقف كما سكت بقية الائمة من ذرية الحسين (عليه السلام) . وكلام علي (عليه السلام) في خطبته المعروفة بالشقشقية يوضح الموقف تماما قال (عليه السلام) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها  (21) .

الفترة الثانية فترة الغيبة : والمعروف بين فقهاء عصر الغيبة اتجاهان فقهيان . الاتجاه الاول وهو عين الاتجاه الذي عرضناه آنفا من سيرة الائمة (عليهم السلام) . الاتجاه الثاني : ويلتزم التقية الى ظهور المهدي ودليله بعض الروايات من قبيل رواية الكليني في الكافي بسند صحيح عن الامام الصادق (عليه السلام) : (كل راية ترفع أو تخرج قبل قيام القائم فهي راية ضلال) وغيرها .

______________________

(1) شرح المواقف للسيد شريف الجرحاني 8/349 مطبعة السعادة 1907 .

(2) الاحكام السلطانية لابي الحسن الماوردي كان من وجوه فقهاء الشافعية ، له مصنّفات كثيرة .

(3) الاحكام السلطانية للشيخ أبي يعلى محمد بن الحسن الفراء الحنبلي ، ص 7 11 .

(4) الاحكام السلطانية للماوردي / 6 7 .

(5) المصدر السابق ص 10 .

(6) الارشاد في الكلام لامام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ، ط . القاهرة 1369 هـ ، ص 424 .

(7) الامام أبو بكر المشهور بابن العربي في شرحه سنن الترمذي 13 / 229 .

(8) القرطبي كتاب جامع أحكام القرآن 1 / 269 و 272 .

(9) المواقف في علم الكلام ، ط . مصر 1325 هـ ، 8 / 351 353 ، تأليف القاضي عبد الرحمن بن أحمد الايجي ، توفّي عام 756 هـ .

(10) الاحكام السلطانية ص 7 11 .

(11) المصدر السابق ص 7 8 في طبعة ، وفي اُخرى ص 20 23 .

(12) 12 / 229 في شرحه على صحيح مسلم ، وراجع سنن البيهقي 8 / 158 159 .

(13) ط . القاهرة 1366 هـ .

(14) المشروعية للدكتور علي جريشة /314 .

(15) الفصل في الملل والاهواء والنحل ج4/102 .

(16) الشيخ المفيد المقنعة ص 810 .

(17) رسالة الثقلين العدد 12 مغزى البيعة مع المعصومين .

(18) الامور الحسبية مصطلح فقهي يقصد به الامور والمصالح العامة او الخايصة التي نعلم بصورة قطعية بان الله تعالى لا يرضى بفواتها من ناحية وان حصولها وتحققها يتوقف على وجود من يلي امرها ويمارس الولاية والاشراف عليها من ناحية اخرى ، ولم يعين الله تعالى لها وليا خاصا من ناحية ثالثة ويمثل لها عادة بالموقوفات العامة التي هي بحاجة الى من يتولى امرها ولم يعين لها الواقف متوليا خاصا ، وكذلك أموال اليتامى والقاصرين الذين ليس لهم اولياء (انظر ولاية الامر للسيد كاظم الحائري المقدمة بقلم السيد علي اكبرالحائري ص20 0

(19) انظر كتاب ولاية الامر للسيد كاظم الحائري المسالة الاولى .

(20) انظر كتاب ولاية الامر للشيخ الآصفي فصل نصب الحاكم في عصر الغيبة وكتاب دراسات في ولاية الفقيه للشيخ المنتظري الجزء الاول .

(21) نهج البلاغة ج 1 ص 36 .

<< السابق | التالي >> | المحتويات | بحث | الرئيسية

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري