السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الأولى - صفحة 71

الفصل السادس :

وصية الإمام الهادي (ع) والبداء

قوله :

ان روايات عديدة يذكرها الكليني في الكافي والمفيد في الإرشاد والطوسي في الغيبة ان الإمام الهادي أوصى في البداية إلى ابنه السيد محمد ولكنه توفي في حياة أبيه فأوصى للإمام الحسن.

قوله :

ان هذه الروايات قد حملها العلماء على غير ظاهرها إضافة إلى انها معارضة بروايات أخرى صريحة بالنص من الإمام الهادي(ع) على إمامة ولده الحسن العسكري (ع) في حياة ولده ابي جعفر(رح). وكان على صاحب النشرة ان يشير إليها ولا يوهم القارئ أن ما ذكره أعلاه هو الروايات الوحيدة.


صفحة 73

نص الشبهة

قال صاحب النشرة:

وتقول روايات عديدة يذكرها الكليني في (الكافي ج1 ص 326و328) والمفيد في (الإرشاد ص 336 و337) والطوسي في (الغيبة ص 120 و122)، ان الإمام الهادي أوصى في البداية إلى ابنه السيد محمد، ولكنه توفي في حياة أبيه، فأوصى للإمام الحسن وقال له ((لقد بدا لله في محمد كما بدا في إسماعيل.. يابني احدث لله شكرا فقد احدث فيك أمرا، أو نعمة)) وهو ما يدل على عدم وجود روايات القائمة المسبقة بأسماء الأئمة الاثني عشر من قبل، ولذا لم يعرفها الشيعة الإمامية الذين اختلفوا واحتاروا بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، ولم يشر إليها المحدثون أو المؤرخون الإمامية في القرن الثالث الهجري (1).


(1) الشورى العدد العاشر ص 12. رجوع


صفحة 74

الجواب عنها

أقول ان الروايات التي أشار إليها هي كما يلي:

الرواية الأولى :

رواها الطوسي في الغيبة عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:

" كنت عند أبي الحسن العسكري (ع) وقت وفاة ابنه أبي جعفر ، وقد كان أشار إليه ودل عليه وإني لأفكر في نفسي وأقول هذه قصة أبي أبراهيم (ع) وقصة إسماعيل فأقبل عليَّ أبو الحسن (ع) وقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي جعفر وصير مكانه أبا محمد كما بدا له في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد الله (ع) ونصبه وهو كما حدثتك نفسك وان كره المبطلون، أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجونه إليه ، ومعه آلة الإمامة والحمد لله " (1).


(1) المصدر ص 82. رجوع


صفحة 75

وقد رواها في الكافي في باب الإشارة والنص على أبي محمد الحسن العسكري (ع) مختصرة كما يلي:

" بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد ان أقول كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد (ع) وان قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر فأقبل عليَّ أبو الحسن قبل ان انطق فقال نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر مالم يكن يُعرَف له كما بدا له في موسى عند مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وان كره المبطلون وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة " .

وقد رواها الشيخ المفيد في الإرشاد عن الكليني بدون عبارة (وكان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر).

 

الرواية الثانية :

رواها الكليني في الكافي عن علي بن محمد عن اسحق بن محمد عن شاهويه عن عبد الله الجلاب قال:

" كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب أردت ان تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك


صفحة 76

فلا تغتم فان الله عز وجل يقول (وَمَا كَانَ اللهُ ليُضلَّ قَومًا بَعدَ إذ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) (التوبة/115) وصاحبك بعدي أبو محمد ابني وعنده ما تحتاجون إليه، يقدم الله ما يشاء ويؤخر ما يشاء (مَا نَنسَخ من آيَةٍ أَو نُنسهَا نَأت بخَيرٍ مّنهَا أَو مثلهَا) (البقرة/106) قدكتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان "  (1).

وقد رواها الطوسي في كتابه الغيبة عن الكليني بالسند نفسه وفيها إضافة وهي قول الراوي :

" كنت رويت عن أبي الحسن العسكري (ع) في أبي جعفر ابنه روايات تدل عليه ، فلما مضى أبو جعفر قلقت لذلك وبقيت متحيراً لا أتقدم ولا أتأخر ، وخفت ان اكتب إليه في ذلك فلا ادري ما يكون فكتبت إليه اسأله الدعاء وان يفرج الله تعالى عنا في أسباب من قبَل السلطان كنا نغتم بها في غلماننا. فرجع الجواب بالدعاء ورد الغلمان علينا " (1) .


(1) الكافي ج1/328. رجوع

(2) كتاب الغيبة ص201. رجوع


صفحة 77

غير ان هاتين الروايتين يرد عليهما :

اولا :

أنهما معارضتان بروايات أخرى صريحة بالنص من الهادي (ع) على إمامة ولده الحسن العسكري في حياة ولده أبي جعفر وروايات أخرى صريحة في انه لم يخص أحدا بالنص قبل وفاة ولده أبي جعفر.

روى الكليني (1)عن علي بن محمد عن جعفر بن محمدالكوفي عن بشار بن احمد البصري عن علي بن عمر النوفلي قال :

" كنت مع أبي الحسن (ع) في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك فقال لا، صاحبكم بعدي الحسن " .

وروى (2) أيضاً عن علي بن محمد عن أبي محمد الاسبارقيني عن علي بن عمرو العطار قال دخلت على أبي الحسن العسكري (ع) وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن انه هو فقلت جعلت فداك من أخص ولدك فقال لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم


(1) الكافي ج1 ص325 رواية 1. رجوع

(2) الكافي ج1 ص 326 الرواية 7. رجوع


صفحة 78

أمري قال فكتبت إليه بعد (1) فيمن يكون هذا الأمر قال فكتب إلي في الكبير من ولدي قال وكان أبو محمد (ع) اكبر من جعفر (2).

ثانيا :

في الروايتين ألفاظ من غير الممكن الأخذ بظاهرها لأنها تجعل البداء الذي يقول به الشيعة هو البداء المستحيل في حق الله تعالى وهم لا يقولون بهذا النحو من البداء .

ان الشيعة يعتقدون تبعاً للروايات الثابتة عن أئمتهم كما مر قسم منها في مناقشة الشبهة الثانية ان الإمام السابق حين ينص على الإمام اللاحق إنما هو بعهد معهود لرجل فرجل من رسول الله (ص) بأمر الله تعالى، فلو فرضنا ان الإمام الهادي (ع) قد نص على ولده محمد بالإمامة فإنما ينص عن الله تعالى بواسطة رسوله فإذا مات محمد ونص الإمام الهادي (ع) على الحسن (ع) وهو عن الله


(1) وقوله (فكتبت إليه بعد) أي بعد موت أبي جعفر ابن الإمام الهادي (ع). رجوع

(2) أي المعروف بالكذاب والرواية في المصدر (ابوجعفر) بدلا من (جعفر) ولكننا اثبتنا في المتن ما جاء في رواية الطبرسي في اعلام الورى وابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب والمفيد في الارشاد وكلهم قد رووها عن الكليني وهي عندهم بلفظ (جعفر) بدلا من أبي جعفر. رجوع


صفحة 79

تعالى بواسطة رسوله أيضاً ثم نسب ذلك إلى البداء من الله في الحسن (ع) بعد موت أخيه محمد(رحمه الله) كان معناه ان الله تعالى قد قضى شيئا قضاء محتوما على لسان نبيه ثم غيَّره وهو مما يجمع الإمامية على رفضه وقد ثبت في تراث أهل البيت (ع) ان البداء لا يكون في القضاء المحتوم بل يقع في القضاء الموقوف (1).

وليس من شك ان إمامة الأئمة الاثني عشر (ع) من القضاء الإلهي المحتوم وذلك للإخبار بعددهم وبأسمائهم وبكبريات الحوادث المرتبطة بهم منذ عهد النبي (ص) ولذكرها في كتب الأنبياء السابقين (2).

وبسبب ذلك كان لا بد من حمل الألفاظ الانفة الذكر على غير ظاهرها ان أمكن أو طرح الروايتين من الإعتبار وقد ذهب الشيخ الطوسي(رحمه الله) إلى الأول إذ قال بعد ان اورد الخبرين ما تضمنه الخبر المتقدم من قوله (بدا لله في محمد كما بدا له في إسماعيل)


(1) انظر كتاب البيان في تفسير القران للسيد الخوئي رحمه الله بحث البداء ص409. رجوع

(2) كما مرت الإشارة إليه في الشبهة الأولى وستأتي أيضاً في الشبهة التاسعة.. رجوع


صفحة 80

معناه ظهر من أمر الله وأمره في أخيه الحسن ما أزال الريب والشك في إمامته فان جماعة من الشيعة كانوا يظنون ان الأمر في محمد من حيث كان الأكبر كما كان يظن جماعة ان الأمر في إسماعيل بن جعفر دون موسى عليه السلام فلما مات محمد ظهر أمر الله فيه وانه لم ينصبه إماما كما ظهر في إسماعيل مثل ذلك لا انه كان نص عليه ثم بدا له في النص على غيره فان ذلك لا يجوز على الله تعالى العالم بالعواقب (1)، وهذا التأويل صحيح ولا غبار عليه ولكنه لا يرفع الإشكال عن بقية عبارات الرواية.

ونحن نرى ان الموقف الصحيح من هاتين الروايتين بالألفاظ التي أوردهما الشيخ الطوسي هو الطرح لا التأويل، وذلك لاشتمالها على ما يوجب ذلك وهو قول الراوي (وقد كان أشار إليه ودل عليه) أي وكان الهادي (ع) قد أشار إلى ولده محمد(رحمه الله) ودل عليه كما أشار أبو عبد الله (ع) من قبل إلى إسماعيل ونصبه. ومما لا شك فيه ان أبا عبد الله الصادق (ع) لم ينصب ولده إسماعيل للإمامة بل ان هذه الدعوى هي دعوى الإسماعيلية ثم ربطت بالبداء وجعلت


(1) الغيبة للطوسي ص 201. رجوع


صفحة 81

مثالاً له من قبل المغرضين لتشويه مسألة البداء عند الشيعة وتشويه مسألة القائمة المعدة بأسماء الأئمة الاثني عشر من قبل الله تعالى بواسطة رسوله، وقد أجمع الشيعة على تكذيبهم في تلك الدعوى. كما أجمعوا على تكذيب من يقول ان الهادي (ع) كان قد نصب ولده أبا جعفر للإمامة فلما مات نصب ولده الحسن (ع).

قال الشيخ المفيد :

" وأما (أمر) الإمامة فإنه لا يوصف الله فيه بالبداء وعلى ذلك إجماع الإمامية ومعهم فيه أثر عنهم عليهم السلام انهم قالوا مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته "  (1).

الخلاصة :

اتضح من خلال البحث ان صاحب النشرة أورد من الروايات ما يناسب هدفه ثم حمل ظاهرها على ما يريد ولم يشر إلى موقف الشيخ الطوسي من حمل الرواية على غير ظاهرها وكان ينبغي عليه ان يشير إلى ذلك ويناقشه ان كانت لديه مناقشة، ثم كان ينبغي عليه أيضاً ان يورد الروايات الأخرى التي تنص على خلاف مقصوده


(1) العيون والمحاسن ص309.


صفحة 82

ويرجح بعضها على بعض بمرجح علمي وبذلك يكون بحثه بحثاً علمياً ومن ثم يكون قارئه على بينة من أمره أما ما قام به فليس من البحث العلمي في شيء مع ما فيه من استغفال القارىء وعدم احترامه.

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية