السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الأولى - صفحة 9

  المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

وبعد . .

فهذه أوراق متواضعة تكفلت الرد على بعض الشبهات التي وجهت ضد الإسلام والتشيع .

وقصة إثارة الشبهات أمام التشيع بمفهومه الخاص (1) قديمة


(1) ويتمثل هذا المفهوم بالإعتقاد باثني عشر حجة معصوما بعد النبي لهم منزلته في كل شىء إلا النبوة والأزواج مع إلحاق الزهراء (ع) بهم في هذه المنزلة دون خصوصية الحكم، والإعتقاد بان المهدي المنتظر الذي بشَّر به النبي (ص) هو محمد بن الحسن العسكري (ع) المولود سنة (255هـ) وانه قد غاب بأمر الله تعالى غيبتين إحداهما صغرى كان له فيها نواب أربعة يعرف خبره وأمره بواسطتهم، توفي آخرهم سنة 329هـ وبوفاته بدأت الغيبة الكبرى وانقطع خبره فيها، وقد أمر شيعته بالرجوع في عصر الغيبة الكبرى إلى رواة الأحاديث الفقهاء العدول حيث روي عنه (ع) انه قال: (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) وأمرهم أيضاً كما أمرهم آباؤه من قبل بانتظار الفرج بظهوره في آخر الزمان وإلى جانبه عيسى (ع) ليحقق الله بهما وعلى أيديهما أروع عهد ينتظره المؤمنون (وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبُور من بَعد الذّكر أَنَّ الأَرضَ يَرثُهَا عبَاديَ الصَّالحُونَ) الأنبياء/105 (وَ إن من أَهل الكتَاب إلاَّ لَيُؤمنَنَّ به قَبلَ مَوته وَ يَومَ القيَامَة يَكُونُ عَلَيهم شَهيدًا) النساء/159.
ويستلزم هذا المفهوم تولي هؤلاء الحجج والبراءة من أعدائهم وبخاصة الذين ناصبوهم العداوة ودفعوهم عن مقامهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله ورسوله بها ، وفي قبال هذا المفهوم الخاص للتشيع هناك مفهوم عام تبناه أهل السنة وأرادوا به تفضيل علي (ع) على عثمان، أو تفضيل علي (ع) على أبي بكر وعمر وقد وصفوا هذا التشيع بالبدعة الصغرى وسموا النوع الثاني منه بالتشيع الغالي، أما المفهوم الخاص فقد سموه بـ(الرفض) والبدعة الكبرى وسموا أصحابه بالرافضة وأسقطوا الإحتجاج برواياتهم بدعوى ان الرافضة يحُطّون من منزلة أبي بكر وعمر (أي يصغرون من منزلتهم). (انظر ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة ابان ابن تغلب ومقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر) .
رجوع


صفحة 10

وهي لا تنقطع إلا بظهور المهدي محمد بن الحسن العسكري الإلهية ومصدّقا لحركة آبائه (ع) وشيعتهم (عجل الله فرجه) مؤيَّداً بالبراهين ، وهي في ذلك نظير قصة محمد (ص) من قبل أهل الكتاب التي لا تنتهي إثارة الشبهات أمام رسالة إلا بظهور عيسى بن مريم الإلهية ومصدقاً برسالة محمد (ص) ومتعبداً (ع) مؤيداً بالبراهين بشريعته .

وكما لم يؤمن أكثر أهل الكتاب برسالة الاسلام على الرغم من وضوح دلائل صدقها، وراحوا يثيرون الشبهة تلو الشبهة على مر


صفحة 11

القرون وقابلهم علماء المسلمين بالرد على شبهاتهم إتماماً للحجة وإزاحةً للعقبة من طريق الحق(ليَهلكَ مَن هَلَكَ عَن بَينَةٍ وَ يَحيَى مَن حَي عَن بَينَةٍ) الأنفال/42.

وكذلك لم يتشيع أكثر المسلمين لأهل البيت (ع) ولم يقفوا عليهم في الحلال والحرام على الرغم من تواتر حديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المهدي (ع) وصحة حديث الأئمة من بعدي اثنا عشر وغيرها. وراحوا يثيرون الشبهة تلو الأخرى تارة بتضعيف سند الحديث وأخرى بتحريف دلالته وثالثة بدفع واقعه التطبيقي، وقد قابلهم علماء الشيعة بالرد على شبهاتهم إتماماً للحجة وإزاحة للعقبة من طريق الحق (ليَهلكَ مَن هَلَكَ عَن بَينَةٍ وَ يَحيَى مَن حَي عَن بَينَةٍ) الأنفال/42.

وعلى الرغم من دور الشبهة السلبي في تطويق انتشار الحق ومحاصرة أهله / وهو الهدف من إثارتها / فإن للشبهة دوراً إيجابياً في تحريك أهل الحق وبعث هممهم للبحث و التنقيب ومن ثم إغناء الساحة الفكرية بما يزيد الحقيقة جلاءً ووضوحاً وهو هدف غير مقصود من قبل أصحاب الشبهة.

فهل ينسى دور شبهات المبشرين في بعث همة العالم السني


صفحة 12

محمد رحمة الله العثماني (2) ليؤلف كتابه (إظهار الحق). أو ينسى دور شبهاتهم وردودهم في كتابهم (الهداية) على كتابه (إظهار الحق) في بعث همة العالم الشيعي محمد جواد البلاغي ليؤلف (الهدى إلى دين المصطفى) و (الرحلة المدرسية). أو ينسى دور شبهات الزيدية في فترة الغيبة الصغرى في بعث همة الشيخ النعماني (ت362ه) ليؤلف كتاب (الغيبة) أو الشيخ محمد بن علي بن بابويه (ت381هـ) ليؤلف كتابه (إكمال الدين). أو ينسى دور شبهات كتاب (المغني) (3) للقاضي عبد الجبار في بعث همة السيد المرتضى (ت436هـ) ليؤلف كتابه (الشافي في الإمامة)(4) .


(2) وقد ألف كتابه بعد المحاورة بينه وبين أحد المبشرين النصارى في الهند ويدعى (فاندر) سنة (1270هـ 1854 م). والكتاب من غرر الكتب في مطبوعرحمه الله في مجلدين ثم ألف جماعة من المبشرين كتاب (الهداية) رداً عليه وقد طبع كتاب (الهداية) في مصر سنة 1899م، ثم كتب العلامة البلاغي (ت 1933م) (الهدى إلى دين المصطفى) في مجلدين و(الرحلة المدرسية) في مجلد واحد رداً على كتاب الهداية . رجوع

(3) الجزء المتم للعشرين خاص بالإمامة للرد على الشيعة . رجوع

(4) وهو مطبوع في أربعة أجزاء حققه العلامة عبد الزهراء الحسيني الخطيب . رجوع


صفحة 13

او ينسى دور شبهات كتاب (التحفة الاثنا عشرية) تأليف شاه عبد العزيز الدهلوي الهندي (5) في بعث همة السيد مير حامد حسين الهندي (ت1306هـ) ليؤلف كتابه (عبقات الأنوار) (6) .

أو ينسى دور شبهات حاول أصحابها ربط ظهور التشيع بمفهومه الخاص بعبد الله بن سبأ في بعث همة العلامة الأميني ليؤلف موسوعته (الغدير) وفي بعث همة العلامة العسكري ليؤلف كتاب (خمسون ومأة صحابي مختلق) وكتاب (رواة مختلقون) وكتاب (عبد الله بن سبأ) (7) .


(5) انتشر كتاب التحفة في أوائل القرن الثالث عشر الهجري في بلاد الهند باللغة الفارسية ثم ترجمه إلى العربية سنة 1227هـ الشيخ غلام الأسلمي ثم اختصره وهذبه العالم السني العراقي السيد محمود شكري الالوسي سنة 1301. رجوع

(6) قال العلامة السيد محسن الأمين (رح) في أعيان الشيعة ج18/371 (عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار بالفارسية لم يكتب مثله في السلَف والخَلَف) وقد طبعت عدة من أجزائه، وجاء حديث الثقلين وحده في ستة مجلدات وقد عرّبه واختصره العلامة السيد علي الميلاني فكان حديث الثقلين في مجلدين، وحديث الغدير في أربعة مجلدات وقد بلغ المختصر المعرب من عبقات الأنوار اثني عشر مجلداً ولمّا يكمل بعد. رجوع

(7) لا زال كتاب رواة مختلقون والجزء الثالث من عبد الله بن سبأ والجزء الثالث من خمسون ومائة صحابي مختلق لما تعد للطبع بعد لإنشغال المؤلف أمد الله في عمره بغيرها. رجوع


صفحة 14

وهكذا فان فرائد الكتب والدراسات في حقل النبوة والإمامة والسيرة والتاريخ إنما هي نتائج البحث في رد الشبهات.

ولا أزعم أنني في هذه الأوراق سوف أقدم نظير ما قدمه أولئك الفطاحل ولكني أحاول ان أيسر للباحث عن الحقيقة بعض ما قدموه بشكل مختصر وبخاصة وان الشبهات هي الشبهات وان كتّابها ومثيريها يأخذ بعضهم من بعض في أغلب الأحيان.

اخترت قارئي الكريم للحلقات الأولى من أوراق الرد هذه شبهات وشكوكاً أثارها احمد الكاتب حول الشيعة والتشيع في نشرته (الشورى) (8) وكتبه الثلاثة المتداولة بالدسك الكومبيوتري. فقد انكر ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع) وغيبتة وجعل القول بذلك من ابتكار النواب الأربعة، ونفى أيضاً صحة الأحاديث النبوية في الأئمة الاثني عشر الواردة عند الشيعة والسنة وادعى ان العقيدة باثني عشر إماماً لم يكن لها أثر في القرن الثالث الهجري وانها كانت وليدة القرن الرابع الهجري هذا مضافاً إلى نفيه


(8) صدر منها لحد صدور الطبعة الاولى من هذا الكتاب اثنا عشر عددا. رجوع


صفحة 15

القول بأصل الوصية والنص على الأئمة المعصومين بعد النبي وربط ذلك بعبد الله بن سبأ.

وهذه الشبهات وغيرها وان كانت تكراراً لشبهات الزيدية والمعتزلة وأهل التسنن وقد كتب علماؤنا في الرد عليها آلاف الصفحات ومئات الكتب غير أني كما قلت آنفاً أحاول في هذه الأوراق ان اختصر الرد وأيسره لطلاب الحقيقة وبخاصة وان كثيراً منهم لا يتسع وقته لمراجعة مطولات الكتب ولا مختصراتها. وقد كرست فاتحة هذه الحلقات لتسع شبهات مما أثاره حول العقيدة الاثني عشرية لنكات لا تخفى على القارئ اللبيب أرجو ان لا يذهب وقته معها سدىً وان يغتفر لي نواقصها والله ولي التوفيق.

سامي البدري

قم المشرفة/ 17 ربيع الاول 1417هجري

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية