السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الثانية - صفحة 67

الفصل الرابع:

السقيفة بواية عمر بن الخطاب

قال البغدادي :

ان ما جرى في السقيفة كان مجرد ترشيح والبيعة تمت في المسجد دون تهديد أو إكراه .

يقال له:

روايات كتب الحديث والسيرة تثبت ان الذي جرى في السقيفة بيعة وليس مجرد ترشيح .


صفحة 69

نص الشبهة

قال البغدادي :

" ان ما جرى في السقيفة من نقاش  لم يكن ذلك تمام الشورى بل انه كان مجرد ترشيح والبيعة تمت في مسجد النبي (ص) . وقد فعلوا ذلك طواعية دون تهديد أو قوة سلاح " .

 

الرد على الشبهة

أقول : ان قوله هذا خلاف ما ثبت في كتب السيرة والحديث والتاريخ وخلاف المشهور عند أهل السنة .

حيث ذكرت هذه الكتب ان الذي جرى في السقيفة بيعة وليس مجرد ترشيح ، ومن ثم استشهد فقهاء السنة كالماوردي وغيره بما جرى في السقيفة من بيعة عمر ، وأبي عبيدة ، واسيد بن حضير،


صفحة 70

وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، لأبي بكر على صحة انعقاد الحكم ببيعة خمسة (1) .

نعم الذي ذكره البغدادي هو رأي البعض من علماء السنة حيث يرى ان حكومة أبي بكر انعقدت ببيعته العامة في المسجد دون بيعته في السقيفة (2) .

 

قصة السقيفة :

وإلى القارئ الكريم نص كلام عمر بن الخطاب حول السقيفة كما رواه البخاري في صحيحه قال :

“ حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعودعن ابن عباس قال : ان عمر قال في أول جمعة قدمها من حجته الأخيرة :

إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا


(1) الأحكام السلطانية للماوردي الشافعي : 7 ، المغني للقاضي عبد الجبارالمعتزلي . الجزء المتم للعشرين القسم الأول ص 256.

(2) الشخصية الإسلامية الشيخ النبهاني ج2 : 35 .


صفحة 71

فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر .

من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا .

وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم .

أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة .

وخالف عنا علي والزبير ومن معهما .

واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر .

فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان ، فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين ، فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا رجل مزَّمل بين ظهرانيهم ، فقلت من هذا ؟ فقالوا هذا سعد بن عبادة ، فقلت ما له ؟ قالوا يوعك .


صفحة 72

فلما جلسنا قليلا ، تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط ، وقد دفَّت دا فَّةٌ (1) من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر .

فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه .

فتكلم أبو بكر فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا .

فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي  أحب إليَّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر 

فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش .


(1) الدافة : القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد .


صفحة 73

فكثر اللغط وارتفعت الأصوات ، حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار .

ونَزَوْنا على سعد بن عبادة .

فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة ، فقلت قتل الله سعد بن عبادة .

قال عمر وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على ما لا نرضى ، وإما نخالفهم فيكون فساد ، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةَ أن يقتلا ” (1) .

وفيما يلي شرح لفقراتها التي تتصل بموضوعنا :

قوله : (فلا يغترن امرؤ ان يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت إلا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى المسلمين شرها) .

نسب البلاذري هذا القول إلى الزبير ، ونسبه ابن أبي الحديد إلى


(1) صحيح البخاري كتاب المحاربين باب رجم الحبلى ج8 : 208ـ211 .


صفحة 74

عمار ، و(الفلتة كما قال ابن الاثير وغيره هي الفجأة وقال ابن الأثير أيضا ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة فعصم الله تعالى من ذلك ووقى) .

أقول : والأمر الفجائي هو ما لم يتوقع حدوثه ، ومعنى ذلك ان بيعة أبي بكر لم تكن متوقعة ولا مترقبة ، لان الأعناق كانت ممدودة إلى علي (ع) قال ابن اسحق “ وكان عامة المهاجرين وجل (كل) الأنصار لا يشكون ان عليا (ع) هو صاحب الأمر بعد رسول الله (ص) ” (1) وذلك لشدة لصوقه بالنبي (ص) وسابقته المتميزة والنص عليه في الغدير وغيره .

وقوله (وقى الله شرها) يفيد ان بيعة أبي بكر التي فوجئ المسلمون بها ولم يكونوا يترقبونها كانت تنطوي على الشر وسفك الدم والسبب في ذلك هو أنَّ صاحب الحق الشرعي (علي (ع)) قد أبى ان يبايع ودعا الأنصار إلى نصرته ولو كانوا أجابوه لكان هناك قتال بينه وبين القوم وتفصيل ذلك في الفقرة الاَّتية .

قوله : (وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه


(1) الأخبار الموفقيات لابن بكار تـ 272 ص 580 ومثله في تاريخ اليعقوبي2: 103.


صفحة 75

وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة . وخالف عنا علي والزبير ومن معهما . واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر .) .

الذي يظهر من بعض الروايات ان عليا (ع) وبني هاشم كانوا مشغولين بدفن النبي (ص) ، وفي اثناء ذلك اجتمعت فئة من الأنصار في بيت سعد بن عبادة يتداولون أمر الحكم ، ثم انضم إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم مولى ابي حذيفة ، ثم بويع لأبي بكر ، وامتنع علي (ع) ومن معه من بني هاشم وغيرهم عن بيعته واجتمعوا في دار فاطمة (ع) (1) (2) .

قال ابن قتيبة : “ وخرج علي (ع) كرم الله وجهه يحمل فاطمة


(1) لم يذكر البخاري مكان اجتماعهم وتخلفهم عن البيعة وذكره احمد ابن حنبل فى المسند ج 1 : 55 بروايته عن إسحاق بن عيسى الطباع عن مالك بن انس عن ابن شهاب الزهري . انظر أيضا فتح الباري ج15 : 163 وسيرة ابن هشام 3384 .

(2) وقد وضعت في قبال ذلك من قبل سيف بن عمر وغيره روايات تفيد ان عليا (ع) بايع أبا بكر طواعية وانه لما سمع بجلوس أبي بكر للبيعة خرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا كراهية ان يبطئ عنها حتى بايعه وقد ناقش هذه الروايات واثبت بطلانها العلامة العسكري في كتابه عبد الله بن سبأ ج .


صفحة 76

بنت رسول الله (ص) على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو ان زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي (ع) أفكنت ادع رسول الله (ص) لم ادفنه في بيته واخرج أنازع الناس سلطانه ، فقالت فاطمة ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ” (1) .

وفي ضوء ذلك فان تصوير الواقع التاريخي بعد وفاة الرسول بوجود ثلاث كتل ليس صحيحا ، لان كتلة الأنصار المزعومة لم تكن كتلة بالمعنى الذين كانت عليه الكتلة القرشية ، وإنما كانت اجتماعا طارئا ، لا يبعد ان يكون الحزب القرشي قد دفع إليه بواسطة عدد من أعضائه من الأنصار (2) .

أما علي (ع) وبنو هاشم ومن معهم فقد صاروا كتلة في قبال الحزب القرشي حين رفضوا بيعة أبي بكر .

والذي يظهر بشكل واضح من نصوص تاريخية وحديثية


(1) الإمامة والسياسة ج1 : 19 .

(2) منهم اسيد بن حضير رئيس الاوس وبشير بن سعد أحد وجوه الخزرج وستأتي ترجمتهما . رجوع


صفحة 77

متعددة ان الحزب القرشي كان له وجود زمن النبي ، وكانت أطروحته تتمثل بشعار (حسبنا كتاب) الله وبالموقف السلبي من علي (ع) .

و في قبال ذلك كانت مجموعة من الصحابة كأبي ذر وعمار وسلمان وغيرهم ، قد عرفت في عهد النبي (ص) بأنها شيعة علي (ع) استجابة لأمر الله ورسوله في علي (ع) .

 

المجتمعون في دار فاطمة (ع) :

وقد ذكر المؤرخون في عداد من تخلف عن بيعة أبي بكر في بيت فاطمة مع علي (ع) والزبير كلا من العباس بن عبد المطلبوعتبة بن أبي لهب وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود والبراء بن عازب وأبي بن كعب .

وقد ذكر ابن عبد ربه ان أبا بكر بعث عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : ان أبوا فقاتلهم فاقبل بقبس من نار على ان يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت يا ابن الخطاب اجئت لتحرق دارنا قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (1) .


(1) العقد الفريد 4 : 259ـ260 ، كنز العمال 3 : 140 والإمامة والسياسة 121 انساب الأشراف 1 : 586 .


صفحة 78

روى الطبري قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي (ع) وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : “ والله لأُحرقنَّ عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ” (1) .


(1) تاريخ الطبري ج 3 : 202 . روى الذهبي في ميزان الاعتدال ج3 : 108 وابن حجر في لسان الميزان ج4 : 188 في ترجمة علوان بن داود قول أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه (وددت أني لم اكشف بيت فاطمة وتركته وان اغلق على الحرب) ورواه أيضا المسعودي في مروج الذهب ج2 :309والطبري في تاريخه ج3 : 430 . واقدم مصدر تاريخي روى ذلك هو كتاب الأموال : 174 لأبي عبيد (ت 224 هجـ) غير انه كنى عنها ولم يصرح بها قال قال أبو بكر (وددت أني لم اكن افعل كذا وكذا لخلة ذكرها)(قال أبو عبيد لا أريد ذكرها) .

أقول فإذا كان أبو عبيد القاسم بن سلام وأمثاله يتحامون ذكر اصل الهجوم على دار فاطمة (عها) فهل يترقب ممن ذكره منهم ان يعنى بتفاصيل الهجوم ونتائجه المروعة على الزهراء (عها) بوصفها الوجه البارز في مخاطبة القوم ومن هنا يظهر للقارئ خطأ قول : ابن أبي الحديد ج2/60 : " فاما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة (عها) وانه ضربها بالعصا فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى ان ماتت وان عمر ضغطها بين الباب والجدار ... وألقت جنينا ميتا وجعل في عنق علي (ع) حبل يقاد به ... فكله لا اصل له عند أصحابنا ... . وانما هو شىء تنفرد الشيعة بنقله " لقد غاب عن ابن أبي الحديد ان الطبري لم يذكر تفاصيل ما جرى بين أبي ذر ومعاوية بعد إشارته إلى اصل الخبر خشية من العامة إذ جاء في تاريخه " كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية في الشام وأشخاص معاوية إياه منها أليها (إلى المدينة) أمور كثيرة كرهت ذكرها " ج4 ص283 وقوله عن المكاتبات التي جرت بين محمد بن أبي بكر ومعاوية بن أبي سفيان " جرت مكاتبات بينهما كرهت ذكرها لما فيها مما لا يحتمل سماعها العامة " الطبري ج4 ص557 . فهل يترقب منه ومن نظرائه من المؤرخين ان يذكروا تفاصيل الهجوم الذي جرى على بيت فاطمة (عها) وبخاصة وان نتائج ذلك على شعور العامة اكثر بكثير من نتائج ذكر تفاصيل ما جرى بين أبي ذر ومعاوية أو ما جرى بين محمد بن أبي بكر ومعاوية أيضا . على اننا لا نعدم الحصول على طرف من المعلومات في هذا المصدر السني أو ذاك لمن أراد التتبع والاستقصاء .


صفحة 79

وقد ذكر أصحاب الحديث عن الزهري : “ ان عليا (ع) وبني هاشم بقوا ستة اشهر لم يبايعوا حتى ماتت فاطمة ” (1) .

وقوله (ع) : “ ولم يكن لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت ” (2) .


(1) صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر ج3 : 38 وصحيح مسلم 1 / 72 ، 5 : 153 الاستيعاب 2 : 244 ، أسد الغابة بترجمة أبي بكر (ولم يبايع علي (ع) إلا بعد ستة اشهر) انساب الأشراف 1 : 586 وفي الغدير 3 : 102 عن الفصل لابن حزم 96ـ97 (وجدنا عليا (رض) تأخر عن البيعة ستة اشهر) .

(2) قال ابن أبي الحديد وهو قول ما زال يكرره علي (ع) ولقد قاله عقيب وفاة رسول الله (ص) (شرح النهج ج2 : 22) .


صفحة 80

وقوله : “ لو وجدت أربعين ذوي عزم ! ” (1) .

وفي كتاب معاوية إلى علي (ع) “ وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين ، يوم بويع أبو بكر الصديق ، فلم تدع أحدا من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدللت إليهم بابنيك ، واستنصرتهم على صاحب رسول الله ، فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة ، ولعمري لو كنت محقا لأجابوك  ، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم ” (2) .

قوله : (وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر) .

أقول : هذا الوصف لا ينطبق على أبي بكر إذ لم تكن له قرابة خاصة من النبي أو سابقة جهادية مميزة أو نص يؤهله لذلك بخلاف علي (ع) حيث جمع ذلك كله .

قوله : (ولا نعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش) .


(1) شرح النهج ج2 : 22 .

(2) وقعة صفين نصر بن مزاحم 182 ابن أبي الحديد 2 : 67 .


صفحة 81

وفي رواية احمد بن حنبل عن مالك بن انس (ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش) وفي رواية ابن اسحق (قد عرفتم ان هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم وان العرب لا تجتمع إلا على رجل منهم ) .

ونستفيد من هذا الكلام امرين هما :

الاول : ان الامر المتنازع عليه في السقيفة ليس هومجرد السلطة الاجرائية بل هو سلطة اجرائية مقرونة بسلطة دينية وذلك لان العرب لم يكونوا في الجاهلية يخضعون لقريش اجرائيا بل كانوا يخضعون لها دينيا حيث يدينون بكل امر تضعه قريش في امر الدين وبخاصة الحج وهو امر مذكور في كل كتب السيرة (1) ، وفي


(1) قال ابن اسحاق : " وكانت قريش ابتدعت امر الحُمْس جمع احمس وهو المتصلب في الدين وسميت قريش حُمْسا لزعمهم بأنهم المتشددون في الدين) ثم ابتدعوا في ذلك امورا لم تكن لهم منها انهم حرموا على اهل الحل (وهم العرب الساكنون خارج مكة) ان يأكلوا من طعام جاؤا به معهم من الحل الى الحرم اذا جاؤا حجاجا او عمارا ولا يطوفوا بالبيت اذا قدموا اول طوافهم الا في ثياب الحمس (اي في ثياب احد القرشيين) فان لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة فان تكرم من متكرم من رجل او إمرأة ولم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل القاها اذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا احد غيره ابدا فكانت العرب تسمي تلك الثياب اللقى . قال ابن اسحاق فحملوا على ذلك العرب فدانت به ... فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدا (ص) فوضع الله تعالى امر الحمس وما كانت قريش ابتدعت منه (اي هدم الله قيمته " السيرة النبوية لابن هشام ج1/201ـ203 .


صفحة 82

ضوء هذه السلطة تجرأ عمر في حكومته على تحريم متعة الحج وقبول الناس ذلك منهم (1) .

الثاني : ان المهاجرين الاربعة في السقيفة انما غلبوا الانصار الحاضرين بأساس جاهلي كان الاسلام قد أَماته ، وهذا الاساس هو الامتياز الديني لقريش وقد نزعه الاسلام عن قريش وكرسه لمحمد (ص) واهل بيته (ع) .

وامام شعار عمر ورفع الراية القرشية انكسر سعد بن عبادة في هذا الاجتماع المدبر من الحزب القرشي بإعلان اسيد بن حضير (2)


(1) انظر جواب الشبهة – 15من هذه الحلقة .

(2) أسد الغابة ترجمة اسيد بن حضير وفيه انه اسلم على يد مصعب بن عمير في العقبة الأولى وان أبا بكر في خلافته كان يكرمه ولا يقدم عليه أحدا وتوفي سنة 20 وحمل عمر عنه السرير حتى وضعه بالبقيع انظر تفصيل موقف بشير بن سعد واسيد بن حضير في تاريخ الطبري ج3 / 221 .


صفحة 83

رئيس الاوس وبشير بن سعد احد وجوه الخزرج (1) ميلهما إلى الحزب القرشي ومن ثم بيعتهما ومن معهما من أتباعهما أبا بكر .

قوله : (كان والله ان اقدم فتضرب عنقي  احب إلىَّ من ان أتأمر على قوم فيهم أبو بكر) .

وقد قال قبل ذلك (وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر) .

أقول : لست ادري هل هاتان الكلمتان من أبي حفص كانتا على سبيل الجد أم شأنه فيهما شأنه في كلمته لما توفي النبي (ص) وكشف هو والمغيرة بن شعبة الثوب عن وجه النبي (ص) فقال : واغشياه ما اشد غشي رسول الله (ص) ، ثم اخذ يهدد بالقتل من قال ان رسول الله قد مات ، واخذ يقول ان رجالا من المنافقين يزعمون ان رسول الله توفي ، وان رسول الله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع بعد ان قيل مات ،


(1) وقد قيل انه أول من بايع أبا بكر من الأنصار كان قد شهد العقبة الثانية وبدرا والمشاهد كلها قتل يوم عين التمر مع خالد سنة 12 هجـ ..


صفحة 84

والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون ان رسول الله مات ، (من قال انه مات علوت رأسه بسيفي هذا ، وإنما ارتفع إلى السماء) (1) .

قال ابن أبي الحديد “ ان عمر لما علم ان رسول الله قد مات خاف من وقوع فتنة في الإمامة وتغلب أقوام عليها ، أما من الأنصار أو من غيرهم ، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس ، فاظهر ما أظهره ، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم ، حراسة للدين والدولة ، إلى ان جاء أبو بكر ” (2) .

وفي ما أوردناه من رواية البخاري وشرحها كفاية في توضيح حال السقيفة وإنها كانت بيعة خاصة لأبي بكر في أجواء العصبية القبلية وليست مجرد ترشيح له ثم أردفت ببيعة عامة اقترنت بالتهديد وقوة السلاح .


(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 95 ، الطبري / البداية والنهاية لابن كثير 5 : 242 تيسير الوصول 2 : 41 ، انساب الأشراف 1 : 565 ، تاريخ أبي الفداء 1 : 164 .

(2) انظر شرح النهج ج2 : 43 .

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية