الصفحة الأساسية

الحلقة الثانية - صفحة 30

 

مشيئة الله تعالى في آل محمد (ص) :

وقد يقال لِمَ حُصر الحجج بعد النبي باثني عشر ولِمَ حُصر بأسرة النبي (ص) ؟

والجواب :

ان حصر حجج الله تعالى بعد نبيه الأكرم بأسرة النبي (ص) وبعدد محدود منهم ، وهم علي والزهراء والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين (ع) ، نظير حصر حججه تعالى بعد نوح وإبراهيمويعقوب وعمران في ذريتهم كما في قوله تعالى : (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وإِبْرَاهِيمَ وجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ والكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد / 26 وقوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ ونُوحًا وآلَ إِبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آل عمران / 33ـ34 .

وقد شاءت حكمة الله تعالى ان يجعل في الحجج من بعد محمد (ص) امرأة حجة وهي فاطمة بنت محمد (ص) كما جعل بعد


صفحة 27

موسى امرأة حجة وهي مريم بنت عمران .

وشاءت حكمة الله تعالى أيضاً ان يجعل من ذرية فاطمة (ع) خاتم أوصياء محمد (ص) وهو الحجة بن الحسن العسكري كما جعل من ذرية مريم (ع) من قبلُ حجته عيسى (ع) خاتم أصفيائه من آل عمران وبني إسرائيل .

بل شاءت حكمة الله تعالى ان يجعل المهدي من آل محمد (ص) نظيرا لعيسى من آل عمران من ناحية الاختلاف في ولادته والامتحان بغيبته فقد اختلف بنو إسرائيل في ولادة المسيح بعد ان كانوا ينتظرونه جميعا للنصوص الثابتة عن أنبيائهم وفي كتبهم (1) ، فآمنت طائفة لما ولد وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم .

واختلف بنو إسماعيل (أمة محمد (ص)) في ولادة المهدي


(1) جاء في سفر اشعياء / وهو من أسفار الكتاب المقدس عند اليهودوالنصارى/ الإصحاح التاسع الفقرة 14 قوله (ولكن الرب نفسه يعطيكم آية . ها العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو اسمه عمانوئيل) وعما نوئيل لفظة عبرية معناها (الرب معنا) ومن الواضح ان النص يشير إلى مريم (عها) التي حملت من غير رجل وقد أيدها الله تعالى لما ولدت عيسى بان انطقه في المهد ليكون آية لأمه ولبني إسرائيل ومع ذلك فقد كذبت طائفة كبيرة من اليهود ذلك وأنكروا ولادة المسيح المنتظر من العذراء إلى اليوم .


صفحة 28

المنتظر من ولد فاطمة (ع) بعد ان اخبر النبي (ص) عنه وبشر به (1) فآمنت طائفة لما ولد سنة 255 هجـ ، وهي لا تزال مؤمنة به ألى اليوم ، وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم أيضا.

وامتُحن أنصار عيسى بغيبته ، فمنهم من قال قتل ، ومنهم من قال أنجاه الله من كيد الظالمين واتصل بخواص تلاميذه لفترة يوجههم ثم غيَّبه الله تعالى ليظهره آخر الزمان .

وكذلك امتحن شيعة المهدي (ع) بغيبته فمنهم / وهو قليل جدا وفي وقته / من قال انه مات في الغيبة (2) ، وقال الأغلب بحياته في غيبته الطويلة التي غاب فيها بعد غيبته (3) القصيرة وهم ينتظرون


(1) روى أبو داود في سننه عن أبي الطفيل عن علي (ع) عن النبي (ص) قال : (لو لم يبق من الدهر إلا يوم ، لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا) وفيه أيضا عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة .) ج2 / 422 ط 1 .

(2) وقد مر الكلام على هذا القول في الشبهة 1 من الحلقة الأولى وقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد والشيخ الطوسي في الغيبة أقوالا أخرى انقرض أصحابها .

(3) قال الفضل بن الحسن الطبرسي (رح) في كتابه أعلام الورى ان أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة بل زمان أبيه وجده وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة أيام السيدين الباقر والصادق (ع) وآثروها عن النبي والأئمة واحدا بعد واحد ... وليس يمكن أحدا دفع ذلك ومن جملة ثقاة المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف كتاب المشيخةالذي هو في أصول الشيعة اشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة ومن جملة ما رواه عن إبراهيم الخارقي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له كان أبو جعفر (ع) يقول لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة والأخرى صغيرة قال : فقال لي نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى ثم لا يكون ذلك (يعني ظهوره) حتى يختلف ولد فلان ويظهر السفياني ويشتد البلاء) ص 416 . وروى الشيخ الصدوق في إكمال الدين عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار جميعا قالوا حدثنا احمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم واحمد بن أبي عبد الله البرقي ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعا قالوا حدثنا أبو علي الحسن بن محبوب السراد عن داود بن الحصين عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال قال رسول الله (ص) المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) ص 287 ، البحار 51 صفحة 72 .


صفحة 29

ظهوره ليحقق الله تعالى به وعده الذي وعده لنبيه الخاتم .

وشاءت حكمة الله أيضا ان يجعل في آل محمد (ص) حجة لله في سن دون العاشرة من عمره وهو أبو جعفر محمد الجواد (ع) ليكون نظيرا ليحيى في آل عمران آتاه الله الحكم صبيا .


صفحة 30

وشاءت حكمة الله ان يجعل أوصياء محمد (ص) اثني عشر وان يجعل الثاني عشر منهم المهدي يحقق الله تعالى على يده وعده لنبيه محمد (ص) ويرث المؤمنون برسالته الأرض كلها (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء / 105 وان يكون ذلك نظيرا لأوصياء موسى الاثني عشر وما جعله على يد الثاني عشر من أوصيائه وهو داود من تحقق للوعد الذي وعده لموسى وبني إسرائيل من وراثة ارض فلسطين وما حولها .

وشاءت حكمة الله ان يجعل اغلب أوصياء محمد (ص) من ذرية أخيه ووزيره وأول أوصيائه علي (ع) وان يكون ذلك نظيرا لما جعله الله تعالى من كون اغلب أوصياء موسى (ع) بعده في ذرية أخيه ووزيره هارون (ع) (1) .


(1) قضية التناظر بين آل محمد (ص) وآل عمران وآل هارون والحجج الإلهيين في الأمم الماضية مسألة ملفتة للنظر جعلها الله تعالى من المعالم الهادية إلى حقانية حركة الأئمة الاثني عشر (ع) وبخاصة بعد ان أصبحت حركتهم (ع) بما فيها غيبة المهدي عج واقعا تاريخيا ناجزا ثابتا تسهل مقارنته مع الواقع التاريخي لحركة الحجج في الأمم السابقة كما ذكرها القرآن الكريموالنصوص الموافقة له من أسفار التوراة والإنجيل المتداولة وقد درسنا ذلك مفصلا وأعددناه في كتاب خاص .

 الصفحة الأساسية