الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيارالحكم الأموي

ثورة زيد بن علي (رحمه الله)

قال البلاذري وهويترجم لزيد بن علي(رحمه الله): وقرأت في كتب سالم كاتب هشام كتاباً نسخته:

(أمّا بعد فقد عرفت حال أهل الكوفة في حبِّهم أهل البيت ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم لإفتراضهم على أنفسهم طاعتهم ووظَّفوا عليهم شرائع دينهم) ونحلتهم إيّاهم عظيم ما هوكائن ممَّا استأثر الله بعلمه دونهم حتّى حملوهم على تفريق الجماعة والخروج على الأئمة. وقد قَدِم زيد بن علي على أمير المؤمنين في خصومة فرأى رجلاً جدلاً لسناً حوَّلاً قلَّباً (1) خليقاً بصوغ الكلام وتمويهه واجترار الرجال بحلاوة لسانه وكثرة مخارجه في حججه وما يدلي به عند الخصام من العلو على الخصم بالقوَّة المؤدية إلى الفلج(رحمه الله)فعجِّل إشخاصه إلى الحجاز ولا تدعه المقام قِبَلك، فإنَّه إن أعاره القوم أسماعهم فحشاها من لين لفظه وحلاوة منطقه مع ما يدلي به من القرابة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجدهم مُيَّلاً إليه  (2) غير مُتَّئِدة قلوبهم ولا ساكنة أحلامهم ولا مصونة عندهم أديانهم، وبعض التحامل عليه فيه أذى له وإخراجه وتركه مع السلامة للجميع والحقن للدماء والأمن للفرقة أحبُّ إليَّ من أمر فيه سفك دمائهم وانتشار كلمتهم وقطع نسلهم، والجماعة حبل الله المتين ودين الله القويم وعروته الوثقى، فادع إليك أشراف أهل المصر وأوعدهم العقوبة في الأبشار واستصفاء الأموال، فإنَّ من له عقد أوعهد منهم سيبطىء عنه ولا يخف معه إلاَّ الرعاع وأهل السواد ومن تنهضه الحاجة استلذاذاً للفتنة، وأولئك ممَّن يستعبد إبليس وهويستعبدهم. فبادرهم بالوعيد، واعضضهم بسوطك وجرِّد فيهم سيفك وأخف الأشراف قبل الأوساط والأوساط قبل السفلة. واعلم أنَّك قائم على باب ألفة وداع إلى طاعة وحاض على جماعة ومشمِّر لدين الله فلا تستوحش لكثرتهم واجعل معقلك الذي تأوي إليه وصغوك الذي تخرج منه الثقة بربِّك والغضب لدينك والمحاماة عن الجماعة ومناصبة من أراد كسر هذا الباب الذي أمرهم الله بالدخول فيه والتشاح عليه فإنَّ أمير المؤمنين قد أعذر إليه وقضى من ذمامه فليس له منـزى إلى ادّعاء هوله ظلمه من نصيب نفسه أوفيء أوصلة لذي قربى إلاَّ الذي خاف أمير المؤمنين من حمل بادرة السفلة على الذي عسى أن يكونوا به أشقى وأضلَّ ولهم أمر ولأمير المؤمنين أعز وأسهل إلى حياطة الدين والذبِّ عنه فإنَّه لا يحبُّ أن يرى في أمَّته حالا متفاوتاً نكالا لهم مفنياً فهو يستديم النظرة ويتأتى للرشاد ويجتنبهم على المخاوف ويستجرهم إلى المراشد ويعدل بهم عن المهالك، فعل الوالد الشفيق على ولده والراعي الحدب على رعيته. واعلم أنَّ من حجتك عليهم في استحقاق نصر الله لك عند معاندتهم توفيتك أطماعهم وأعطية ذريتهم ونهيك جندك أن ينـزلوا حريمهم ودورهم، فانتهز رضا الله فيما أنت بسبيله فإنَّه ليس ذنب أسرع تعجيل عقوبة من بغى وقد أوقعهم الشيطان ودلاّهم فيه ودلَّهم عليه والعصمة بتارك البغي أولى فأمير المؤمنين يستعين الله عليهم وعلى غيرهم من رعيته ويسأل إلهه ومولاه ووليه أن يصلح منهم ما كان فاسداً وأن يسرع بهم إلى النجاة والفوز إنَّه سميع قريب (3).

قال البلاذري: وكتب زيد الى أهل الآفاق كتبا يصف فيها جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم على الجهاد ويدعوهم إليه وقال: لا تقولوا :خرجنا غضبا لكم، ولكن قولوا : (خرجنا غضبا لله ودينه).

وكان (زيد) إذا بويع قال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفئ على أهله ورد المظالم وإقفال الُمجَمَّرة ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب، أتبايعون على هذا؟ فيبايعونه ويضع يده على يد الرجل؟ثم يقول :عليك عهد الله وميثاقه لتفينَّ لنا ولتنصحنَّ في السر والعلانية والرخاء والشدة والعسرة واليسرة فيماسح على ذلك  (4).

قال البلاذري: وبعث يوسف بن عمر إلى ام إمرأة لزيد أزدية، فهدم دارها وحملت إليه، فقال لها :أزوَّجتِ زيدا؟ قالت: نعم زوجته وهو سامع مطيع، ولوخطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته. فقال شُقّوا عليها ثيابها، فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول: ما أنت بعربي تعرِّيني وتضربني لعنك الله، فماتت تحت السياط، ثم أمر بها فأُلقيت في العراء، فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم.

وأخذ إمرأة قوَّت زيدا على أمره، فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها... وضرب عنق زوجها.

وضرب إمرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمائة سوط.

وهدم دورا كثيرة.

وأُتِيَ يوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد (وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد) فقال له يوسف: ائتني بابنتك، قال :وما تصنع بها جارية عاتق  (5) في البيت؟ قال :أقسم لتأتيني بها أولأضربنَّ عنقك، (وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته) فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى، فأمر به فدُقَّت.

قال البلاذري: ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال: يا أهل المِدْرَة الخبيثة ! (والله ما يقعقع لي بالشِّنان ولا تقرن بي الصعبة) لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم، والله ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون، فإنكم أهل بغي وخلاف، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولوفعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم. إن يحيى بن زيد  (6) ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه، يفعل، وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي، والله لوظفرت بيحياكم لعرقت خصييه كما عرقت خصيتي أبيه  (7).

قصيدة الفضل بن عبد الرحمن المطلبي:

قال الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لما قتل زيد بن علي (عليه السلام) في سنة اثنتين وعشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك.

وذلك أن هشاما كتب إلى عامله بالبصرة ـ وهو القاسم بن محمد الثقفي ـ أن يشخص كل من بالعراق من بني هاشم إلى المدينة خوفا من خروجهم. وكتب إلى عامل المدينة أن يحبس قوما منهم، وأن يعرضهم في كل أسبوع مرة، ويقيم لهم الكفلاء على ألا يخرجوا منها.

فقال الفضل بن عبد الرحمن من قصيدة له طويلة:

كلما حُدِّثوا بأرض نقيقا *** ضمَّنونا السجون أو سيَّرونا
أشخصونا إلى المدينة أسرى *** لا كفاهمُ ربي الذي يحذرونا
خلفوا أحمد المطهَّر فينا *** بالذي لا يحب، واستضعفونا
قتلونا بغير ذنب إليهم *** قاتل الله أمة قتلونا!
ما رعَوْا حقنا ولا حفظوا *** فينا وصاة الاله بالاقربينا
جعلونا أدنى عدو إليهم *** فهم في دمائنا يسبحونا
أنكروا حقنا وجاروا علينا *** وعلى غير إحنة أبغضونا
غير أن النبي منا وأنا *** لم نزل في صلاتهم راغبينا
إن دعونا إلى الهدى لم يجيبونا *** وكانوا عن الهدى ناكبينا
أو أمرنا بالعرف لم يسمعوا منا *** وردوا نصيحة الناصحينا
ولقِدْماً ما رد نصح ذوي الرأي *** فلم يتبعهم الجاهلونا
فعسى الله أن يديل أناسا *** من أناس فيصبحوا ظاهرينا!
فتقر العيون من قوم سوء *** قد أخافوا وقتلوا المؤمنينا
ليت شعري هل توجِفَنْ بيَ *** الخيلُ عليها الكماة مستلئِمينا (8)
من بني هاشم ومن كل حي *** ينصرون الاسلام مستنصرينا
في أناس آباؤهم نصروا الدين *** وكانوا لربهم ناصرينا
تحكم المرهفات في الهامِ *** منهم بأكف المعاشر الثائرينا (9)
أين قتلى منا بغيتم عليهم *** ثم قتلتموهم ظالمينا
إرجعوا هاشما وردوا ابا اليق‍ـ *** ـظان وابن البديل في آخرينا
وارجعوا ذا الشهادتين وقتلى *** أنتم في قتالهم فاجرونا
ثم ردوا حجرا وأصحاب حجر *** يوم أنتم في قتلهم معتدونا
ثم ردوا أبا عمير وردوا لي *** رشيدا وميثما والذينا
قتلوا بالطف يوم حسين *** من بني هاشم، وردوا حسينا
أين عمرو وأين بشر وقتلى *** معهم بالعراء ما يدفنونا
ارجعوا عامرا وردوا زهير *** ثم عثمان، فارجعوا عازمينا
وارجعوا الحر وابن قين وقوما *** قتلوا حين جاوزوا صفّينا
وارجعوا هانئا وردوا إلينا *** مسلما والرواع في آخرينا
ثم ردوا زيدا إلينا وردوا *** كل من قد قتلتم أجمعينا
لن تردوهم إلينا ولسنا *** منكم غير ذلكم قابلينا

______________________________________

(1) ‏ رجل حوَّل : ذو حيل ، كتاب العين.

(2) ‏ إلى هنا ينتهي نصّ الكتاب لدى البلاذري ج3/434.

(3) تاريخ الطبري (ج 7/170 -171)ولم يذكر الطبري مصدره الذي أخذ الرواية عنه.

(4) انساب الأشراف(ج3/434-435).

(5) العاتق: الجارية أول ما أدركت.

(6) ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان في انساب الاشراف (ج3/453-458).

(7) انساب الأشراف ج3 /448-450.

(8) الكماة: الشجعان. والمستلئم: لابس اللامة، وهى: الدرع في الحرب.

(9) المرهفات: السيوف. والهام: الرؤوس.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري