الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الثاني : خطة معاوية لتصفية التشيّع في الكوفة

اجراءات زياد بن عبيد الثقفي في الكوفة:

كان زياد بن عبيد الثقفي الذي غيَّرَ نَسَبَه معاوية في قصة معروفة الى زياد بن ابي سفيان، يعتبر بحق باني الجيش الاموي في العراق وقوى الامن الداخلي فيه. وكانت من اهم اجراءاته في هذا السبيل (الى جنب صرامته في تطبيق السياسة العامة التي اشرنا اليها آنفا) أربعة امور اساسية هي:

الاول: احياء الخروج الالزامي للغزو، وهواول اجراء اتخذه عند قدومه الكوفة، قال البلاذري: لما استعمل معاوية زيادا حين هلك المغيرة (1) على الكوفة جاء حتى دخل المسجد ثم خطب، فقال: … واي رجل مكتبه بعيد فأجله سنتان ثم هوأمير نفسه، وأي رجل مكتبه قريب فاجله سنة ثم هوأمير نفسه (2).

الثاني: تغيير نظام الأسباع الذي كان على عهد الامام علي (عليه السلام) (3) الى نظام الارباع، وفي هذا النظام جعل تعبئة قبيلة همدان مع قبيلة تميم ربعا، وعليهم خالد بن عرفطة (4)، وربيعة وكندة ربعا وعليهم قيس بن خالد، ومذحج واسد ربعا وعليهم ابوبردة بن ابي موسى الاشعري (5)، واهل المدينة ربعا، وعليهم عمروبن حريث المخزومي، ومن الواضح ان الهدف من هذا التغيير هوتطويق القبائل المعروفة بتشيّعها (6).

الثالث: تسيير خمسين الف مقاتل عراقي مع عوائلهم الى خراسان (7)، منهم خمس وعشرون الف من الكوفة، عيَّن عليهم عبد الله بن عقيل، والباقون من البصرة، عيَّن عليهم الربيع بن زياد الحارثي (8)، كما عيَّنه على الجميع (9)، وكان فيهم بريدة بن الحصيب الاسلمي، وبمروتوفي ايام يزيد بن معاوية، وكان فيهم أيضا ابوبرزة الاسلمي عبد بن نضلة، وبها مات واسكنهم دون النهر (10).

الرابع: اعتماد الحمراء مادة اساسية في قوى الامن الداخلي، والحمراء كانوا يعملون مع الجيش الفارسي وأصلهم من الديلم (11)، كان منهم مع رستم يوم القادسية اربعة آلاف، ويسمون جند شاهنشاه، فاستأمنوا على ان ينزلوا حيث احبوا، ويحالفوا من احبوا، فاعطاهم سعد ذلك، وحالفوا زهرة بن حوية السعدي من بني تميم ونزلوا الكوفة (12).

قال المرحوم آية الله الشيخ راضي آل ياسين في كتابه صلح الحسن(عليه السلام): والحمراء شرطة زياد الذين فعلوا الافاعيل بالشيعة سنة 51 وحواليها. (13)

ونقل الجاحظ عن زياد قوله: ينبغي ان يكون صاحب الشرطة زميتا قطوبا ابيض اللحية اقنى احنى ويتكلم بالفارسية (14).

وذكر الطبري ان الشرطة في عهد زياد في البصرة قد بلغ عددهم اربعة آلاف (15).

اقول: من المؤكد ان عددهم في الكوفة اكثر من ذلك.

وفي قصة عبد الله بن خليفة الطائي من اصحاب حجر لما طلبه زياد قال الطبري: (فبعث اليه الشُّرط وهم أهل الحمراء يومئذ فأخذوه) (16)، وفي قصة حجر بن عدي الكندي قال ابن سعد: (فأرسل ابن زياد الى حجر الشُّرط والبخارية واتي به الى زياد وباصحابه) (17).

قال عمر بن شبة: وكان زياد أول من شد أمر السلطان وأكد الملك لمعاوية وألزم الناس الطاعة وتقدم في العقوبة وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخافه الناس في سلطانه خوفا شديدا (18).

استعان زياد في البصرة بعدة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) منهم سمرة ابن جندب (19) وأنس بن مالك (20).

اما في الكوفة فقد استعان بالصحابي عمرو بن حريث المخزومي (21) وغيره.

قال الطبري : وقيل إن زيادا أول من سير بين يديه بالحراب، ومشى بين يديه بالعمد، واتخذ الحرس رابطة خمسمائة واستعمل عليهم شيبان صاحب مقبرة شيبان من بني سعد فكانوا لا يبرحون المسجد (22).

اقول: مراد من قال ذلك العراق، والا فان اول من سير الحراب بين يديه هومعاوية في الشام.

______________________________________

(1) ‏ هلك سنة 50 هجريةوقيل سنة 51 هجرية.

(2) انساب الاشراف ق4ج1/198. كان نظام التجنيد على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)اختياريا وكذلك في عهد ابي بكر وشطرا من عهد عمر، ثم صيره عمر الزاميا ونقل الطبري (3/478) عن عمر قوله: (ولا تدعوا في ربيعة أحدا ولا مضر ولا حلفائهم أحدا من أهل النجدات ولا فارسا إلا اجتلبتموه، فإن جاء طائعا وإلا حشرتموه). وذكر المقريزي: ان الامير قبل ذلك كان يقري البعوث على قدر المسافة ان كان بعيدا فسنة وان كان دون ذلك فستة اشهر، فإذا اخل الرجل بثغره نزعت عمامته واقيم في مسجد حيه، فقيل هذا فلان قد أخل (الادارة في العصر الاموي نجدت خماش /268عن المقريزي 1/172).

(3) كان ترتيب الاسباع على عهد علي (عليه السلام) كما يلي: 1. همدان وحمير 2. مذحج واشعر ومعهم طئ (ولكن رايتهم خاصة بهم) 3. قيس وعبس وذبيان ومعهم عبد القيس 4. كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة. 5. الازد وبجيلة وخثعم والانصار. 6. بكر وتغلب وبقية بطون ربيعة (عدا عبد القيس) 7. قريش وكنانة واسد وتميم وضبة والرباب. (البلاذري في فتوح البلدان، الطبري ج4 ص317 وايضا الدينوري في الاخبار الطوال ونصر بن مزاحم في وقعة صفين).

(4) قال ابن حجر في الاصابة في ترجمته: خالد بن عرفطة (بضم المهملة والفاء بينهما راء ساكنة) بن أبرهة (بفتح الهمزة والراء بينهما موحدة ساكنة) بن سنان الليثي ويقال العذري وهوالصحيح، وهوحليف بني زهرة، وولاه سعد القتال يوم القادسية، أخرج حديثه الترمذي بإسناد صحيح، روى عنه أبوعثمان النهدي وعبد الله بن يسار ومسلم مولاه وأبوإسحاق السبيعي وغيرهم، وكان خالد مع سعد بن أبي وقاص في فتوح العراق، وكتب إليه عمر يأمره أن يؤمره واستخلفه سعد على الكوفة، ولما بايع الناس لمعاوية ودخل الكوفة خرج عليه عبد الله بن أبي الحوساء بالنخيلة فوجه إليه خالد بن عرفطة هذا فحاربه حتى قتله، وعاش خالد إلى سنة ستين، وقيل مات سنة إحدى وستين، قال في تهذيب الكمال في ترجمته: وقال أبوالقاسم الطبراني: كان خليفة سعد بن أبي وقاص على الكوفة ثم استعمله زياد على الكوفة. قال ابن حجر: وذكر بن المعلم المعروف بالشيخ المفيد الرافضي في مناقب علي من طريق ثابت الثمالي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة قال: جاء رجل إلى علي فقال إني مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة بها مات فاستغفر له فقال: إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ويكون صاحب لوائه حبيب بن حمار، فقام رجل فقال يا أمير المؤمنين إني لك محب وأنا حبيب بن حمار، فقال لتحملنها وتدخل بها من هذا الباب وأشار إلى باب المقبل فاتفق أن بن زياد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي، فجعل خالدا على مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته، فدخل بها المسجد من باب المقبل.

(5) قال ابن سعد (في الطبقات 6/268) أبو بردة بن أبي موسى الأشعري واسمه عامر بن عبد الله بن قيس قال: أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام أتعلّم منه، فجئته فسألني: من أنت؟ فأخبرته فرحب بي، فقلت: إن أبي أرسلني إليك لأسألك وأتعلم منك، وقال أبونعيم: قد ولي أبوبردة قضاء الكوفة بعد شريح قال محمد بن عمر وقد روى أبوبردة عن أبيه وقد ولي قضاء الكوفة: وقال محمد بن عمر وغيره: توفي أبوبردة بالكوفة سنة ثلاث ومائة.

(6) وقد التفت الى هذا الهدف ايضا المسشرق لامانس المعروف بميوله للامويين. انظر خطط الكوفة للعلامة ماسينيون ترجمة. المصعبي ص16.

(7) قال الخربوطلي في كتابه العراق في العهد الاموي /وهورسالة دكتوراه/في ص298: ولا شك ان معظمهم من الشيعة الذين اراد زياد التخلص من معارضتهم الدائمة.

(8) قال في الاصابة: الربيع بن زياد الحارثي، قال أبوعمر: له صحبة ولا أعرف له رواية، كذا قال، وقال أبوأحمد العسكري: أدرك الأيام النبوية ولم يقدم المدينة إلا في أيام عمر، وذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في التابعين، وقال بن حبان: ولاه عبد الله بن عامر سجستان سنة تسع وعشرين ففتحت على يديه وقال المبرد في الكامل كان عاملا لأبي موسى على البحرين وفد على عمر فسأله عن سنه؟ فقال خمس وأربعون، وقص قصة في آخرها أنه كتب إلى أبي موسى أن يقرّه على عمله واستخلفه أبوموسى على حرب مناذر سنة تسع عشرة فافتتحها عنوة، وقتل بها أخوه المهاجر بن زياد، وله مع عمر أخبار كثيرة: منها أن عمر قال لأصحابه دلوني على رجل إذا كان في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير فقالوا: ما نعرفه إلا الربيع بن زياد، قال: صدقتم. ذكرها بن الكلبي، وكان الحسن البصري كاتبه، وولي خراسان لزياد إلى أن مات.

(9) ادارة العراق في صدر الاسلام لرمزية عبد الوهاب الخيرو ص 143و 239 نقلاً عن الطبري (ج4 ص170) عن المدائني.

(10) فتوح البلدان 507.

(11) فتوح البلدان /344.

(12) فتوح البلدان /343-344.

(13) صلح الامام الحسن /72.

(14) العراق في العهد الاموي /62 عن الجاحظ في البيان والتبيين ج1/95.

(15) تاريخ الطبري 5/222.

(16) تاريخ الطبري 5/281.

(17) الطبقات الكبرى 6/217، سير اعلام النبلاء 3/464.

(18) تاريخ الطبري 5/222.

(19) قال في تهذيب الكمال: سمرة بن جندب الفزاري، صاحب النبي (صلى الله عليه وآله)، نزل البصرة، حليف الأنصار، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أبي عبيدة بن الجراح، روى عنه الحسن البصري وابناه سعد بن سمرة بن جندب وسليمان بن سمرة بن جندب وعامر الشعبي، قال أبوعمر بن عبد البر: وكان زياد يستخلفه عليها ستة اشهر وعلى الكوفة ستة اشهر. وكان شديدا على الحرورية، كان إذا اتي بواحد منهم قتله ولم يقله، فالحرورية ومن قاربهم من مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه.
قال الطبري: فحدثني عمر قال: حدثني إسحاق بن إدريس قال: حدثني محمد ابن سليم قال: سألت أنس بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحدا؟ قال: وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له: هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا؟ قال: لوقتلت إليهم مثلهم ما خشيت، أوكما قال وروى ايضا عن عمر قال: حدثني موسى بن إسماعيل قال: حدثنا نوح بن قيس عن أشعث الحداني عن أبي سوار العدوي قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن. وروى ايضا عن عمر قال: حدثني علي بن محمد عن جعفر الصدفي عن عوف قال: أقبل سمرة من المدينة، فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض أزقتهم ففجأ أوائل الخيل، فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة. قال: ثم مضت الخيل، فأتي عليه سمرة بن جندب وهومتشحط، في دمه فقال: ما هذا؟ قيل: أصابته أوائل خيل الأمير، قال: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا (تاريخ الطبري ج: 5 ص: 237 سنة 50). قال الطبري: فحدثني عمر بن شبة قال: حدثني علي قال: مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، فأقرّ معاوية سمرة على البصرة ثمانية عشر شهرا. قال عمر: وبلغني عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر، ثم عزله فقال سمرة: لعن الله معاوية، والله لوأطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا (تاريخ الطبري 5/291). قال في تهذيب الكمال: وكان الحسن وابن سيرين وفضلاء أهل البصرة يثنون عليه ويحملون عنه وقال عبد الله بن صبيح عن محمد بن سيرين: كان سمرة فيما علمت عظيم الأمانة صدق الحديث يحب الإسلام وأهله، قال أبوعمر: وكان سمرة من الحفاظ المكثرين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مات في آخر خلافة معاوية آخر سنة تسع وخمسين أوأول سنة ستين بالكوفة وقيل بالبصرة سنة ثمان وخمسين، كان أصابه قزاز شديد وكان لا يكاد ان يدفأ فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا فكان يصعد اليه بخارها فيدفأه فبينا هوكذلك إذ خسف به (فسقط فيها) فمات، فكان ذلك تصديقا لقول رسول الله(صلى الله عليه وآله) له ولأبي هريرة وثالث معهما: آخركم موتا في النار، روى له الجماعة.

(20) قال الطبري: حدثني عمر بن شبة قال: حدثنا علي بن محمد قال: استعان زياد بعدة من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) منهم عمران بن الحصين الخزاعي، ولاه قضاء البصرة، والحكم بن عمروالغفاري ولاه خراسان، وسمرة بن جندب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة، فاستعفاه عمران فأعفاه. واستقضى عبد الله بن فضالة الليثي ثم أخاه عاصم بن فضالة ثم زرارة بن أوفى الحرشي وكانت أخته لبابة عند زياد.

(21) قال المزي في تهذيب الكمال: عمرو بن حريث القرشي المخزومي أبوسعيد الكوفي، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أخيه سعيد بن حريث وسعيد بن زيد بن عمروبن نفيل وعبد الله بن مسعود وعدي بن حاتم وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق روى عنه إسماعيل بن أبي خالد ومولاه أصبغ وابنه جعفر بن عمروبن حريث والحسن العرني وخلف بن خليفة تم رآه رؤية وخليفة والد فطر بن خليفة وسعيد بن مردانبة وسوقة والد محمد بن سوقة وأبوهمام عبد الله بن يسار الكوفي وعبد الملك بن عمير وعطاء بن السائب وابن أخيه عمروبن عبد الملك بن حريث والمغيرة بن سبيع ومولاه أبوموسى هارون بن سلمان الفراء الكوفي والوليد بن سريع وأبوالأسود المحاربي قال الواقدي توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وعن محمد بن سيرين: أن عمروبن حريث تزوج بنت عدي بن حاتم على حكم عدي، فندمه الناس وقالوا لعله يحكم فيكثر، فحكم عدي اثنتي عشرة أوقية، فأرسل إليه عمرو ببدرة فيها عشرة آلاف. قال البخاري وغيره: توفي سنة خمس وثمانين، روى له الجماعة. وقال ابن حجر في الاصابة: قال ابن حبان: ولد في أيام بدر وقال غيره: قبل الهجرة بسنتين وعند ابن أبي داود عنه: خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم دارا بالمدينة، وهذا يدل على أنه كان كبيرا في زمانه، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي (عليه السلام) وابن مسعود وغيرهم، روى عن أخيه سعيد بن حريث وله صحبة وروى عنه ابنه جعفر وآخرون من أهل الكوفة، من أصغرهم فطر بن خليفة، وكان قد ولي إمرة الكوفة نيابة لزياد ولابنه عبد الله بن زياد.

(22) المصدرالسابق.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري