الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الثالث : مقتل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله عليهم

سبب قتل حجر:

قال الحاكم النيسابوري: سمعت أبا علي الحافظ، يقول: سمعت ابن قتيبة يقول: سمعت إبراهيم بن يعقوب ، (1) يقول: قد أدرك حجر بن عدي الجاهلية وأكل الدم فيها، ثم صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمع منه وشهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) الجمل وصفين وقتل في موالاة علي (2) .

اقول: قوله (وقتل في موالاة علي) يريد ما ورد في كتب التاريخ من ان جلاوزة معاوية قالوا لحجر واصحابه: انا قد أُمِرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركناكم وان ابيتم قتلناكم، فقالوا: انا لسنا فاعلي ذلك فقُتِلوا.

اما قول الذهبي في حجر انه (كان يكثر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر): فهوالسبب المباشر الذي جعل معاوية وزياد لا يتورعان عن قتل حجر، وملخص ذلك ما رواه الطبري عن ابي مخنف قال :

كان المغيرة إذا لعن عليا على المنبر قام حجر، وقال: بل إياكم فذمم الله ولعن، ثم قام، فقال: إن الله عز وجل يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل وأن من تزكّون وتطرون أولى بالذم (3).

وكانت سياسة الدولة هي عدم استخدام العنف مع المنكرين في المرحلة الاولى من اجل تشخيص أبعاد ردود الفعل والقائمين بها ليتسنى تصفيتهم بشكل هادئ ومدروس، ومن هنا لم يتورَّط المغيرة بأي رد فعل قاس إزاء حجر واصحابه.

ومات المغيرة اخريات سنة خمسين او اوائل سنة 51 هجرية، (والانقلاب الاموي بعد وفاة الحسن في ايامه الاولى)، وضم معاوية الكوفة الى زياد بعدما اثبت كفاءة خاصة في إدارة البصرة.

وجاء زياد واتخذ اجراءاته التي ذكرناها آنفا واستعد لخوض مرحلة المواجهة الحادة مع حجر واصحابه المنكرين على بني أمية سياستهم.

ولم يسجل حجر ولا اصحابه طوال هذه المدة أي موقف يسوِّغ للسلطة قتلهم من قبيل خلع الحاكم وحمل السيف ضده، واكتفوا بالمواجهة اللسانية والفكرية استجابة لتوجيه الامام الحسين (عليه السلام) لهم كما سيأتي بيانه، ولم يكن امام زياد والحالة هذه الا ان يلفق على حجر واصحابه تهمة نكث بيعة معاوية والخروج عليه بشهادات الزور ولم يكن معاوية بعيدا عن مثل هذه الخطة.

قال الطبري: حدثنا مسلم الجرمي قال: حدثنا مخلد بن الحسن عن هشام عن محمد بن سيرين قال: خطب زياد يوما في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر بن عدي: الصلاة! فمضى في خطبته، ثم قال: الصلاة! فمضى في خطبته، فلما خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كفّ من الحصا وثار إلى الصلاة وثار الناس معه، فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثَّر عليه، فكتب إليه معاوية :أن شده في الحديد ثم احمله إلي، فلما أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال: لا ولكن سمعاً وطاعةً، فشُدَّ في الحديد ثم حُمِل إلى معاوية (4).

قال هشام بن محمد عن أبي مخنف وحدثني المجالد بن سعيد عن الشعبي وزكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق :أن حجرا لما قُفِي به من عند زياد نادى بأعلى صوته: اللهم إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس. وكان عليه بُرْنُس في غداة باردة، فحبس عشر ليال وزياد ليس له عمل إلا طلب رؤساء أصحاب حجر حتى جمع اثني عشر رجلا في السجن.

______________________________________

(1) هوالمعروف بالجوزجاني على الاكثر.

(2) المستدرك 3/534.

(3) الطبري ج4 ص188 .

(4) تاريخ الطبري ج: 5 ص: 257 سنة 51 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري