المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثاني : منهج البحث في مصادر التاريخ
الفصل الثاني : المصادر الإسلامية للسيرة والتاريخ ومنهج البحث فيها

منهج العمل التحقيقي في مصادر التاريخ وأهدافه

لمَّا كانت الموسوعات التاريخية المتأخرة التي تناولت تاريخ القرون الهجرية الثلاثة الأولى كتاريخ ابن الأثير أو تاريخ ابن كثير أو تاريخ ابن خلدون ، قد كتبها مؤلفوها على أساس حذف أسانيد الروايات ، وكذلك الحال في بعض الموسوعات القديمة ، كتاريخ اليعقوبي ، وكذلك الحال في بعض الروايات في الكتب المسندة نفسها  (1) ، كان علينا الرجوع إلى الموسوعات الأقدم التي تبنَّى مؤلفوها إثبات أسناد كُلِّ رواية .

ولَمّا كانت هذه الموسوعات ذات السند قد استمدت أخبارها من أصول أقدم وجب علينا الرجوع إلى تلك الأصول لدراسة مؤلفيها ورواتهم الأوائل وتشخيص درجة الإعتماد عليهم ، وكذلك دراسة متون هذه الروايات من ناحية خلوِّها من العوامل الموجبة للوهن والضعف ، وفي ضوء ذلك نستطيع تقييم هذه الأصول والموسوعات التي ضمَّت أخبارها في قليل أو كثير ، فكلَّما كان صاحب الأصل ثقة وكان رواته الأوائل ثقاة ارتفعت قيمته وقيمة الموسوعة التي استمدت منه والعكس صحيح أيضاً .

ولكن هذه الطريقة غير ميسَّرة فعلاً بسبب ضياع أغلب تلك الأصول ومع هذه الحال لا يبقى لدينا إلاَّ طريق تحليل هذه الموسوعات الميسَّرة بين أيدينا إلى مصادرها وأصولها الأوّلية ، ثمَّ فتح ملفات لهذه الأصول وجمع ما تفرَّق من أخبارها في الموسوعات المختلفة ، ومن ثمَّ دراسة مؤلِّف الأصل ورواته الأوائل للوصول إلى النتيجة المرجوة ، مع ملاحظة أنَّ الأصل الذي استرجعناه بهذه الطريقة قد لا تتطابق أخباره تماماً مع الأصل المفقود بسبب تعرُّضها للتحريف العفوي أو العمدي من قبل الرواة المتأخرين .

وفي ضوء ذلك يتضح أنَّ العمل التحقيقي في المصادر التاريخية والحديثية يستهدف تحقيق ثلاثة أمور هي :

الأوّل : الكشف عن درجة اعتبار الموسوعات والأصول التي استمدت منها ، وذلك من خلال دراسة مصنِّفيها ، وما قيل فيهم ، وأيضاً من خلال معرفة المنهج العام الذي اعتمدوه في التأليف .

الثاني : الكشف عن وثاقة الرواة الأوائل الذين اعتمدهم أصحاب الأصول ، وذلك من خلال معرفة ما قيل فيهم ، وما توحي به الروايات المنسوبة إليهم المبثوثة في الموسوعات والأصول .

الثالث : التأكد من خلوِّ متن الرواية من عوامل الضعف والوهن من غير ناحية السند .

______________________

(1) كالخبر الذي أورده الطبري في ج7 /169 قال وذكر عن هشام بن عبد الملك أنَّه كتب إلى يوسف بن عمر ... ولم يذكر سنده فيه الامر الذي الذي نجده عند البلاذري ج3/434 قال وقرأت في كتاب سالم كاتب هشام بن عبد الملك كتاباً نسخته وذكر نصِّ الكتاب الذي أورده الطبري في تاريخه وكذلك الخبر الذي رواه البلاذري في أنساب الأشراف في ج3/433 قال : قالوا : ولحق زيداً بعد شخوصه من الكوفة ... ولم يذكر سنده فيه ونجده مسنداً عند الطبري ج7/ 167 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري