حمزة يعلن إسلامه

قال ابن إسحاق : حدثني رجل من أَسْلَمْ وكان واعية (1) : أن أبا جهل مرَّ برسول الله صلى الله عليه وآله عند الصَّفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره ، من العيب لدينه والتضعيف لأمره ، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومولاة لعبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك منه ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم . فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) أن أقبل متوشِّحاً قوسه راجعاً من قَنْص (2) له ، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له ، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة ، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم ، وكان أعز فتى في قريش وأشد شكيمة (3) . فلما مرّ بالمولاة ، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيته قالت له : يا أبا عِمارة ، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام : وجده ها هنا جالساً فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وآله . فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته ، فخرج يسعى ولم يقف على النبي صلى الله عليه وآله ، مُعِدّاً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه ، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجَّة (4) منكرة ، ثم قال : أتشتمه وأنا على دينه أقول كما يقول ؟ فَرُدّ ذلك علىَّ إن استطعت . فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبّاً قبيحاً ، وتمَّ حمزة (رضي الله عنه)على إسلامه ، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله ، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد عزّ وامتنع ، وأنَّ حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه (5) .

______________________

(1) اي كان حافظا .

(2) أي الصيد .

(3) أي كان ابيا قوي النفس .

(4) أي ضربه على رأسه .

(5) سيرة ابن هشام ج2 ص129 ، أقول : في النفس شيء من هذه القصة والذي احتمله ان حمزة كان مسلما قبل ذلك ولكنه أخفى اسلامه عن قريش لحكمة نظير ما صنع أبو طالب ، وإن صدقت القصة في الجملة فإن الحادثة كانت مناسبة ليعلن حمزة عن تصديقه بالنبي (صلى الله عليه وآله) .