شيعة العراق ـ التأسيس ـ التاريخ ـ المشروع السياسي
السيد سامي البدري

شيعة العراق أغلبية عددية وعراقة تاريخية

يشهد العراق في واقعه المعاصر أغلبية شيعية في سكانه إذ أن أقل تقدير لنسبته هي خمس وستون بالمائة (60% - 65%)(1) ، وقد شهد مثلها في عهد التأسيس على يد علي بن أبي طالب عليه السلام (ت 40 هجرية) حين اتخذ الكوفة مقراً لحكومته .

دخل التشيع إلى العراق يوم دخلت قبائل همدان اليمانية إليه مع الجيش الإسلامي الفاتح القادم من الحجاز سنة 15 هجرية ، واستقرت بعد الفتح في الكوفة التي أسست سنة 17 هجرية ، وكانت هذه القبائل قد اسلمت على يد علي عليه السلام لما بعثه النبي صلى الله عليه وآله إلى اليمن سنة عشر للهجرة.

ولما هاجر علي عليه السلام إلى العراق واتخذه مقراً لحكومته وحركته الفكرية والسياسية والتربوية انفتح عليه بقية العراقيين .

فقد كان الرهبان من المسيحيين يقرأون اسمه إلى جنب اسم النبي صلى الله عليه وآله واسم المهدي عليه السلام (2) في الإنجيل .

وكان هؤلاء الرهبان ينتظرون عليا يأتي إلى العراق (3) ، كما كان اليهود ينتظرون النبي الأمي صلى الله عليه وآله في المدينة ، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن في قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإِنجِيلِ) الأعراف/157 (4).

وقال تعالى : (وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ) البقرة/89.

______________________

(1) زار المؤرخ الفرنسي فيكتوربيرار (1864-1931) وكتب في العام 1907 حول رحلته كتابا سماه (السلطان ، الإسلام والقوى القسطنطينية ، مكة ، بغداد) ، يقول : إن شيعة العراق يشكلون الغالبية السكانية، ويقول: ورغم استبدادالخليفة السني فإن أربعة أخماس السكان ما زالوا يبجلون الأئمة الإثنى عشر . (قيس العزاوي ونصيف الجبوري ، كربلاء كما وصفها بعض المستشرقين الفرنسيين) من كتاب دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري ص 144 مركز كربلاء للبحوث والدراسات لندن) . وأول إحصاء سكاني حسب الاحتلال البريطاني سنة 1919 كان الشيعة بنسبة 52% وفي عام 1936 كانوا بنسبة 56% (راجع جاد كريم الجباعي الأحزاب والحركات الجماعات الإسلامية ج2 ص285 المركز العربي) ، ويقول تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العراق الذي نشر في 4/3/2003 : ان السكان الشيعة العراقيين يقدر بـ 65% من مجمل السكان الذين يقدر عددهم بـ22 مليونا وتكاد تكون نسبة الـ60% و65% هي الأكثر ورودا في التقارير الدولية حيث أشار إليها الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقاله في صحيفة الإنبندنت يوم 3/1/2003، واذا اخرجنا الأكراد فإن نسبة الشيعة تكون 82% من عرب العراق (عن مجلة النور لندن العدد 152).

(2) جاء في إنجيل يوحنا 1: 19-21 سؤال علماء اليهود ليحيى: هل أنت المسيح ؟ هل أنت النبي ؟ هل أنت ايليا ؟. ولفظة (المسيح) أصلها في اللغة اليونانية (مسايا) ، وأصلها اللفظة العبرية (مشيحا) ، وحين نرجع إلى قاموس قوجمان عبري عربي: نجدها تعني المسيح المنتظر ، المهدي.

(3) روى نصر بن مزاحم وابن ديزيل في كتاب صفين أن علياً عليه السلام حين وصل إلى الباليخ بالرقة نزل راهب صومعتها وقرأ على علي عليه السلام صحيفة من زمن عيسى عليه السلام فيها خبر النبي صلى الله عليه وآله وخبر وصيه علي عليه السلام، واسلم الراهب وسار معه وقتل في صفين. (شرح نهج البلاغة ج3/206 -208). أقول : وفي الحقيقة يمكن القول أن انتظار أرض العراق لعلي عليه السلام يرجع إلى زمن نوح عليه السلام حين أمر عليه السلام أن ينقش على صخرة في قبره: هذا ما ادخره نوح لولده علي (فرحة الغري- السيد عبدالكريم بن طاووس) ، وقد وردت عدة روايات تؤكد أن علياً عليه السلام قد دفن في قبر أبيه نوح ، . بل تؤكد أخبار أخرى أن هذا القبر كان يضم رفات آدم ، وقد ورد في الزيارة: (السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح) ، وقد ذكر ابن بطوطة حين ورد إلى النجف سنة 725 هـ ، وذكر المرقد المطهر وما فيه من فرش ومعلقات ، قال: وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب لا يظهر منه شيء وأرتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون أن أحداها قبر آدم عليه السلام والثاني قبر نوح ، والثالث قبر علي عليه السلام.

(4) قال الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى (يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) : يعني النبي صلى الله عليه وآله والوصي والقائم عليهما السلام . ( بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 42 ص 353) .

التالي | السابق