السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الأولى - صفحة 31

 الفصل الثاني :

الوصية لكل إمام من الاثني عشر بعهد خاص من النبي (ص)

قوله :

ان الأئمة (ع) لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم!

نقول :

قد جاء في الروايات الصحيحة عن الإمام الصادق (ع) انه قال لأصحابه : أترون ان الأمر إلينا نضعه فيمن شئنا ؟ كلا والله انه عهد من رسول الله (ص) إلى علي (ثم) إلى رجل فرجل إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الأمر.


صفحة 33

نص الشبهة

قال صاحب النشرة:

تشير روايات كثيرة يذكرها الصفار في بصائر الدرجات والكليني في (الكافي) والحميري في (قرب الاسناد) والعياشي في (تفسيره) والمفيد في (الإرشاد) والحر العاملي في (إثبات الهداة) وغيرهم إلى ان الأئمة أنفسهم لم يكونوا يعرفون بحكاية القائمة المسبقة المعدة منذ زمان رسول الله (ص) وعدم معرفتهم بإمامتهم أو بإمامة الإمام اللاحق من بعدهم إلا قرب وفاتهم. فضلا عن الشيعة أو الإمامية أنفسهم الذين كانوا يقضون في حيرة واختلاف بعد وفاة كل إمام وكانوا يتوسلون بكل إمام ان يعين اللاحق بعده ويسميه بوضوح لكي لا يموتوا وهم لا يعرفون الإمام الجديد. يروي الصفار في (بصائر الدرجات) ص 473 باب (ان الأئمة يعلمون إلى من يوصون قبل وفاتهم مما يعلمهم الله) حديثا عن الإمام الصادق يقول فيه (ما مات عالم حتى يعلمه الله إلى من يوصي)، كما يرويه


صفحة 34

الكليني في الكافي ج1ص 277، ويروي أيضا عنه (ع) (لا يموت الإمام حتى يعلم من بعده فيوصي إليه) وهو ما يدل على عدم معرفة الأئمة من قبل بأسماء خلفائهم، أو بوجود قائمة مسبقة بهم وقد ذهب الصفار والصدوق والكليني ابعد من ذلك فرووا عن أبي عبد الله انه قال (ان الإمام اللاحق يعرف إمامته وينتهي إليه الأمر في آخر دقيقة من حياة الأول) (البصائر 478 والإمامة والتبصرة من الحيرة باب 19 ص 84 والكافي ج1 ص 275) (1) .


(1) الشورى العدد العاشر ص11 رجوع


صفحة 35

الجواب عنها

أقول:

لقد أخطأ صاحب النشرة في فهم بعض الروايات التي ذكرها، وحمل بعضها الاخر بسبب إجماله على ما يشتهي وكان ينبغي ان يفهمه في ضوء مجموعة أخرى من الأحاديث أوضح منه وأكثر صراحة.

أما الرواية التي أخطأ في فهمها خطأً فاحشاً فهي رواية صفوان الاتية :

" قال صفوان قلت للرضا (ع) اخبرني عن الإمام متى يعلم انه إمام أحين يبلغه ان صاحبه قد مات أو حين يمضي مثل أبي الحسن قبض ببغداد وأنت هنا؟ قال يعلم ذلك حين يمضي صاحبه، قلت بأي شىء قال يلهمه الله " (1).


(1) الكافي ج1 /381 ج4. رجوع


صفحة 36

فمن الواضح ان قول الرضا (ع) يعلم حين يمضي صاحبه جواب لسؤال عن الإمام اللاحق كيف يعرف ان الأمر انتهى إليه ومراد السائل حالة التصدي للإمامة من اللاحق باعتبار لا يكون إمامان إلا وأحدهما صامت وباعتبار ان الإمام السابق قد يموت في مكان بعيد ويستغرق وصول خبر موته مدة طويلة كما في حالة موت الإمام الكاظم (ع) في السجن في بغداد وكان وصيه الرضا (ع) في المدينة، أو موت الرضا (ع) في خراسان وكان وصيه الجواد (ع) في المدينة، وهكذايتضح ان الرواية تتحدث عن جواب سؤال متى يتصدى الإمام اللاحق للإمامة ويضطلع بمهماتها ولم تكن تتحدث عن سؤال متى يعرف الأمام اللاحق انه قد جاءت النصوص فيه والوصية عليه من الإمام السابق. وبعبارة أخرى توجد قضيتان:

الأولى : قضية النص على الإمام اللاحق من الإمام السابق وهذه قد تحصل في سن مبكرة من عمر الإمام السابق كما ستأتي الأمثلة على ذلك.

الثانية : قضية اضطلاع الوصي بمهمات الإمامة وتحصل في


صفحة 37

اللحظة التي يتوفى فيها الإمام اللاحق دون اللحظة التي يصل فيها خبر موته مهما بعدت المسافات التي تفصل بينهما ويحصل علمه بموت الإمام السابق بإلهام من الله تعالى.

أما الرواية المجملة التي كان يجب عليه ان يفهمها في ضوء غيرها فهي قوله (ع) :

(لا يموت الإمام حتى يعلم من بعده فيوصي إليه).

وهذه ونظائرها ينبغي ان يرجع في فهمها إلى الروايات الأكثر وضوحاً وتفصيلاً وهي كثيرة منها رواية الكليني والصفار عن عمرو بن مصعب وعمرو بن الأشعث وأبي بصير وسدير ومعاوية بن عمار ان أبا عبد الله (ع) قال لهم ولغيرهم :

" أترون ان الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه عهد معهود من رسول الله (ص) إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه " . وفي لفظ آخر " إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الأمر" (1).

وفي ضوء ذلك يكون معنى الرواية المجملة هو ان الإمام السابق لا يموت من دون وصية وتعريف بالإمام الذي يكون بعده.


(1) الكافي ج 1 ص 277 الروايات 1ـ4. وأيضا بصائر الدرجات للصفار ص470 الروايات 1ـ10،12 رجوع


صفحة 38

أما قول صاحب النشرة (ان الإمام السابق لا يعرف إمامة الإمام اللاحق من بعده إلا قرب وفاته). فهو غير صحيح.. وتكذبه رواية العهد من رسول الله (ص) على رجل فرجل الانفة الذكر.

وتكذبه أيضاً روايات النص على أبي الحسن موسي (ع) من أبيه الصادق (ع) كما في رواية صفوان الجَمّال، قال :

" سألت أبا عبد الله (ع) عن صاحب هذا الأمر؟

فقال: ان صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب واقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عَناق (1) مكية وهو يقول لها أسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله (ع) وضمه إليه وقال بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب " (2) .

ورواية يعقوب السراج التي تشير إلى النص على الإمام الكاظم وهو في المهد(3)وقريب من معناها روايات آخر.


(1) العَناق بفتح العين الأنثى من المعز وخصصها بعضهم بما لم يتم له سنة (لسان العرب). رجوع

(2) الكافي ج1 ص 311 الرواية 15 رجوع

(3) الكافي ج1ص 310 الرواية11. رجوع


صفحة 39

وكذلك روايات النص على الرضا (ع) وولده الجواد من الإمام الكاظم (ع) ، بعضها كان منه (ع) وهو في الحبس كما في رواية الحسين بن المختار (1) وبعضها قبل الحبس كما في رواية محمد بن سنان (ت220هـ) قال :

دخلت على أبي الحسن موسى (ع) من قبل ان يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر اليَّ فقال : يا محمد أما انه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع !

قال قلت وما يكون جعلت فداك؟

فقال : أصير إلى الطاغية أما انه لا يبدأني منه سوء ولا من الذي يكون بعده (المراد بالطاغية المهدي العباسي وبالذي يكون بعده الهادي العباسي) ثم أشار إلى ابنه علي (ع) وقال من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (ع) حقه وجحد إمامته بعد رسول الله (ص) .

قال ابن سنان : فقلت والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرَّنَّ له بإمامته . قال : صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر بإمامته وإمامة من يكون من بعده .

قال : قلت ومن ذاك ؟

قال : محمد ابنه .

قلت : له الرضا والتسليم " (2).


(1) الكافي ج1 ص 313. رجوع

(2) الكافي ج1 319 الرواية 16. رجوع


صفحة 40

فالإمام الكاظم (ع) هنا لا ينص على ابنه الرضا (ع) فقط بل يخبر باسم الإمام بعد الرضا (ع).

وكذلك روايات النص على الجواد من أبيه الرضا (ع) كما في رواية الحسن بن بشار قال :

" كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (ع) كتابا يقول فيه كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا (ع) :

وما علمك انه لا يكون لي ولد ! والله لا تنقضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرق به بين الحق والباطل " (1).

وفي رواية أبي يحيى الصنعاني قال :

" كنت عند أبي الحسن الرضا (ع) فجيء بابنه أبي جعفر (ع) وهو صغير فقال : هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه " (2).

وفي رواية صفوان بن يحيى قال :

" قلت للرضا (ع) : قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر (ع) فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد وهبه الله لك فاقر عيوننا فلا أرانا إليه يومك فان كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر (ع) وهو قائم بين يديه ،


(1) الكافي ج1 ص 230 الرواية4. رجوع

(2) الكافي ج1ص321 الرواية 9. رجوع


صفحة 41

فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين!

فقال : وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (ع) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين " (1) (وفي نسخة إرشاد المفيد وإعلام الورى ابن اقل من ثلاث سنين).

الخلاصة :

ان الذي ادعاه صاحب النشرة من ان الائمة (ع) لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم قد بناه على فهم خاطىء لرواية صفوان الذي كان قد سأل الرضا (ع) عن الامام اللاحق متى يعلم انه قداضطلع بالإمامة فعلاً هل منذ اللحظة الاولى لموت الإمام السابق أو حين يبلغه خبر موته كما لو كان الإمام السابق فى بلد والإمام اللاحق فى بلد آخر بعيداً عنه كما في حالة الامامين الكاظم والرضا أو الإمامين الرضا والجواد (ع)، ولكن صاحب النشرة حمل الرواية على حالة الوصية والنص، هذا مضافاً إلى إغفاله الروايات الكثيرة التى رواها الصفار فى بصائر الدرجات والكليني في الكافي التي تنص على ان وصية كل إمام للذي من بعده إنما هي بعهد معهود من النبي (ص) واغفاله أيضاً


(1) الكافي ج1. ص 321 الرواية رقم 10. رجوع


صفحة 42

الروايات الكثيرة التي تنص على ان الإمام السابق قد يشير إلى إمامة الإمام اللاحق وينص عليه في سن مبكرة من حياته كما في نص الصادق (ع) على الكاظم(ع) فى طفولته ونص الرضا(ع) على الجواد(ع) وهو ابن ثلاث سنين.

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية