السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الأولى - صفحة 105

الفصل الثامن :

أسانيد روايات الاثني عشر عند السنة والشيعة

قوله :

ان روايات حصر الأئمة باثني عشر عند السنة والشيعة ضعيفة السند!

نقول :

البحث السندي في روايات الاثني عشر إماما عند الفريقين يكذب دعواه تلك. وان الأحاديث الشيعية في الاثني عشر كانت معروفة لدى الثقات من الشيعة قبل ولادة المهدي (ع) بل منذ القرن الثاني الهجري.


صفحة 107

نص الشبهة

قال صاحب النشرة:

ومن هنا فقد اعترض الزيدية على الإمامية وقالوا (ان الرواية التي دلت على ان الأئمة اثنا عشر قول أحدثه الإمامية قريبا وولدوا فيه أحاديث كاذبة (1).

وقام أصحاب النظرية (نظرية الاثني عشر) باستيراد أحاديث من (أهل السنة) مروية عن رسول الله (ص) تشير إلى عدد الخلفاء والأمراء من بعده وتذكر رقم (اثني عشر) وأضافوا إليها أحاديث اختلقوها بعد ذلك تشير إلى حصر الإمامة في (اثني عشر إماماً) فقط... استعار الذين قالوا بوجود المهدي محمد بن الحسن العسكري وولادته سرا في حياة أبيه بعض الأحاديث الضعيفة والمضطربة والمشوشة والغامضة من السنة والتي تذكر مجىء اثني


(1) الشورى العدد العاشر ص12. رجوع


صفحة 108

عشر أميرا أو خليفة بعد رسول الله وهذبوها وشذبوها وطبقوها على عدد الأئمة الذين كانوا قد بلغوا مع ابن الحسن المفترض وحسب العد الإمامي اثني عشر واحدا فقالوا بان الأئمة اثنا عشر وعرف هؤلاء (الاثني عشر). (ولكن عملية الاستدلال بتلك الأخبار على صحة النظرية (الاثنا عشرية) كانت تواجه ضعف سند تلك الأخبار حيث أنها ضعيفة عند السنة ولا يلتزم أحد منهم بمضمونها. كما أنها اضعف عند الشيعة(1). ولا توجد بينها رواية واحدة صحيحة حسب مقاييس علم الرجال الشيعي (2).


(1) كتابه عن المهدي (ع). رجوع

(2) كتابه نظرية الإمامة الإلهية. رجوع


صفحة 109

الجواب عنها

ولنا على كلامه الانف الذكر تعليقتان :

الأولى :

قوله (أنها ضعيفة السند عند السنة ولا يلتزم أحد بمضمونه).

أقول ليت صاحب النشرة جاء بكلام واحد من علماء أهل الحديث المعتبرين عند السنة يضعف حديث الاثني عشر، وأنى له بذلك وقد روى الحديث كل من البخاري ومسلم في

صحيحيهما وأبو داود والترمذي في سننهما ومن قبلهم رواه احمد بن حنبل في مسنده بأسانيد صحيحة، ورواه اخرون أيضاً.

روى البخاري عن جابر بن سمرة قال :

" سمعت النبي (ص) يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميرا... كلهم من قريش " .

وفي رواية لمسلم :

" لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر


صفحة110

خليفة كلهم من قريش "(1) .

وفي رواية :

" لا تضرهم عداوة من عاداهم " (2) .

وفي رواية :

" يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش " (3) .

وفي رواية مسروق قال :

" سأل رجل عبد الله بن مسعود قال له يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟

فقال عبد الله : سألناه فقال اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل " (4).

وفي رواية أخرى :

" يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى " (5) .


(1) جامع الأصول لابن الأثير ج4 ص45-46. رجوع

(2) فتح الباري 16/338. رجوع

(3) كنز العمال 13/27. رجوع

(4) مسند احمد 1/398،406 قال احمد شاكر في هامش الحديث الأول (اسناده صحيح) ومستدرك الحاكم 4/501 وفتح الباري 16/339 مجمع الزوائد 5/190، كنز العمال 13/27. رجوع

(5) البداية والنهاية لابن كثير 6/248 وكنز العمال 13/27. رجوع


صفحة 111

وفي رو اية أخرى :

" كلهم تجتمع عليه الأمة " ( 1).

قال ابن كثير :

" وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس " (2) .

أقول وقد روى مثله الهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار، عن أبي جحيفة (3).

ويتبين من ذلك ان حديث الاثني عشر عند السنة لا تنحصر روايته بالصحابي جابر بن سمرة بل يرويه صحابة اخرون ذكرت الكتب السنية الميسرة فعلا خمسة منهم.

لقد ظن علماء الحديث من أهل السنة ان المراد بهؤلاء الاثني عشر هم الحكام الذين جاءوا بعد الرسول واتفقوا على تسمية


(1) سنن أبي داود ج2 /423. رجوع

(2) البداية والنهاية 6/248. وحذيفة هو حذيفة بن أسيد ممن بايع تحت الشجرةسكن الكوفة وتوفي بها،ورواية عبد الله بن عمر رواها أبو القاسم البغوي بسند حسن كما ذكر ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء ص61 طبعة السعادة بمصر. رجوع

(3) مجمع الزوائد ج 5 ص190 وأبو جحيفة هو وهب بن عبد الله السوائي كان من صغار الصحابة، نزل الكوفة، وكان علي (ع) قد جعله على بيت المال بالكوفة وشهد معه مشاهده كلها (الإستيعاب ج4 ص1619). رجوع


صفحة 112

الأربعة الأوائل منهم وحاروا في تكملة العدد، فمنهم من عد معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك وبين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك . وقد رجح هذا القول ابن حجر (1)ومنهم من قال " ان هؤلاء الاثني عشر مفرقين في الأمة إلى آخر الدنيا "(2) .

وهذا التفسير بعيد عن الصحة تماماً وذلك لان تشبيه النبي (ص) لهؤلاء الاثني عشر بأصحاب موسى ونقباء بني إسرائيل يفيد انهم من سنخهم وقد أخبرنا الله تعالى عن نقباء بني إسرائيل بقوله :

" وَلَقَد أَخَذَ اللهُ ميثَاقَ بَني إسرَائيلَ وَبَعَثنَا منهُمُ اثنَى عَشَرَ نَقيبًا " المائدة/12ـ13.

وقال تعالى :

" وَمن قَوم مُوسَى أُمَّةٌ يَهدُونَ بالحَقّ وَبه يَعدلُونَ، وَقَطَّعنَاهُمُ اثنَتَى عَشرَةَ أَسبَاطًا أُمَمًا " الأعراف/159ـ160.


(1) فتح الباري 16/341. رجوع

(2) انظر كتاب معالم المدرستين للعلامة العسكري ج1/541ـ547حيث اورد كلمات علماء السنة التي تكشف عن اضطرابهم وحيرتهم في تفسير الحديث.رجوع


صفحة 113

وقد كان أول هؤلاء الاثني عشر بعد موسى هو يوشع بن نون وذلك لوفاة هارون في زمان موسى ثم كان بعد يوشع الأئمة من آل هارون ثم النبي اشموئيل (اسماعيل) ثم طالوت ولم يكن نبيا بل كان عالما معصوما اصطفاه الله ونص عليه بواسطة نبيه شأنه شأن الأئمة من آل هارون (1) ثم كان من بعده داود وعلى يده جرى الوعد الإلهي لبني اسرائيل الذي بينه لهم في التوراة بفتح فلسطين وما حولها وإقامة حكم الله .

وهم المشار إليهم في قوله تعالى :

" وَلَقَد آتَينَا مُوسَى الكتَابَ فَلاَ تَكُن في مريَةٍ مّن لّقَائه وَجَعَلنَاهُ هُدًى لّبَني إسرَائيلَ، وَجَعَلنَا منهُم أَئمَّةً يَهدُونَ بأَمرنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآيَاتنَا يُوقنُونَ " السجدة/23ـ24.

وكذلك الأمر في الأئمة الاثني عشر بعد الرسول (ص) هم أئمة هدى لا يصلح الحكم إلا لهم في زمانهم ولا تتأثر منزلتهم من الله ورسوله سواء أقبل الناس عليهم أم أعرضوا عنهم .

ويؤيد ذلك قول النبي (ص) عنهم انهم لا تضرهم عداوة من


(1) انظر الايات 246 - 248 من سورة البقرة. رجوع


صفحة 114

عاداهم لا يضرهم من خذلهم لان ولايتهم لا تستند إلى الناس بل إلى الله تعالى ، هذا بخلاف ولاية الحاكم التي تتضرر بخذلان من يخذل لأن قوته وسلطته تستند إلى الناس.

ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد عن علي (ع) قوله :

" أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ان رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى ان الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم " (1) .

فهو (ع) هنا يتحدث عن أئمة هدى بعد الرسول (ص) لهم منزلة الرسول في الهداية وفي اختصاص الحكم في زمانهم بهم وكونهم منحصرين في بني هاشم، ومما لاشك فيه انه ليس كل بني هاشم لهم هذه الخصوصية بل هم علي (ع) والأحد عشر من ولده من فاطمة (ع). ومن الواضح ان كلامه(ع) يشير إلى حديث النبي (ص) الأئمة من بعدي اثنا عشر، فهم إذن نظراء أئمة الهدى من بني إسرائيل الذين جعلهم الله تعالى بعد موسى وجعلهم اثني


(1) نهج البلاغة خ 144. رجوع


صفحة 115

عشرة أسباطا أي أحفاداً (ذُرّيَّةً بَعضُهَا من بَعضٍ) آل عمران /32.

وفي ضوء ذلك يحمل قوله (ص) (كلهم تجتمع عليه الأمة) أي كلهم ينبغي أن تجتمع عليهم أمتي الى آخر الدنيا يأخذون بقولهم وفعلهم وتقريرهم.

الثانية :

قوله (انها عند الشيعة اضعف) وقوله (أنها مختلقة في عصر الغيبة).

أقول ليس الأمر كما قال..

إذ الروايات التي أوردها الكليني والصدوق توجد فيها روايات صحيحة السند واشهرها الروايات التي تنتهي إلى سليم بن قيس وقد مضى الحديث عنها في الفصل السابعة وقد قلنا هناك بان الطرق إلى كتاب سليم لم تنحصر بالعبرتائي وابي سمينة، ولا يضر رواية سليم اختلاف علماءالشيعة في وثاقة أبان بن أبي عياش الراوي عن سليم لان المطلوب في أحاديث الاثني عشر وذكر أسماء الأئمة (ع) هو إثبات وجودها عند الشيعة قبل الغيبة الصغرى وليس من شك ان طائفة من أسانيد الكليني والصدوق إلى أبان بن أبي عياش


صفحة 116

(ت128هـ) صحيحة ويرويها عن أبان كل من محمد بن أبي عمير (ت217هـ) وحماد بن عيسى (ت209هـ) أما ابن ابي عمير فيرويها عن عمر بن أذينة (ت168هـ) وأما حمّاد فيرويها عن عمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني المعاصر له، ومعنى ذلك ان أحاديث الاثني عشر التي تنتهي إلى سليم بن قيس كانت معروفة عند ثقاة الشيعة في القرن الثاني الهجري.

ويضاف إلى ذلك الحديث التاسع المعروف بحديث اللوح (1) الذي رواه الكليني في باب ما جاء في الاثني عشر إماماً عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) فان سند الكليني إلى الحسن بن محبوب السراد المتوفى سنة (224هـ) صحيح.


(1) ونصه قال جابر دخلت على فاطمة (ع) وبين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر اخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي (ومراده بقوله ثلاثة منهم على أي ثلاثة من الاولاد) إذن مجموع من اسمه علي من الأئمة الاثني عشر هم اربعة علي (ع) وثلاثة من ولده.وقد رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب السراد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع). رجوع


صفحة 117

ويضاف إليه أيضا الحديث الأول والثاني عند الكليني في الباب نفسه إذ لا غبار على سندهما في مقياس علم الرجال عند الشيعة.

يضاف إلى ذلك أيضا الرواية رقم (20) من الباب نفسه في الكافي رواها عن محمد بن يحيى واحمد بن محمد عن محمد بن الحسين عن أبي طالب عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال :

" كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر (ع) في منزله بمكة فقال محمد بن عمران سمعت أبا عبد الله (ع) يقول :

(نحن اثنا عشر محدَّثاً) .

فقال له أبو بصير سمعت من أبي عبد الله (ع)؟ فحلفته مرة أو مرتين انه سمعه فقال أبو بصير لكني سمعته من أبي جعفر (ع) "

ورجال السند ثقاة ، ولا يضره واقفية عثمان بن عيسى لأنه رجع وتاب عنها، وقد رواها الشيخ الصدوق في اكمال الدين ص335 عن محمد بن علي بن ماجيلوية ومحمد بن موسى بن المتوكل قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمي عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران ورواها أيضا عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب، وفيها لفظ (مهديا) بدلاً من (محدثاً).


صفحة 118

وأيضاً الرواية رقم (15) من الباب نفسه في الكافي رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال :

"يكون تسعة أئمة من ذرية الحسين بن علي تاسعهم قائمهم والسند صحيح " (1).

الخلاصة :

ان ما رواه الكليني والصدوق والطوسي والنعماني باسانيدهم الصحيحة إلى سماعة بن مهران وابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني والحسن بن محبوب السراد و عبد الله بن الصلت القمي وأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري تفيد ان احاديث الاثني عشر إماما كانت معروفة لدى الثقاة من الشيعة قبل ولادة المهدي (ع) بل منذ القرن الثاني الهجري وهي كذلك عند السنة اذ رواها أحمد بن حنبل في مسنده وقد توفي


(1) ولا يضره وجود ابراهيم بن هاشم فيه فان العلامة الحلي قد قال فيه لم أعثر لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص والرواياتعنه كثيرة والارجح قبول قوله وهو المشهور بين العلماء انظر بهجة الامال في شرح زبدة المقال ج 2/585ـ607. رجوع


صفحة 119

سنة 240هـ أي قبل ولادة المهدي (ع) بخمسة عشر عاما.

ولسنا بحاجة لإبطال مقولة صاحب النشرة ومقولة الزيدية من قبل في كون أحاديث الاثني عشر عند الامامية مختلقة في القرن الرابع الهجري إلى اكثر من اثبات وجودها في كتبهم أو عند وجوه رواتهم في القرن الثاني للهجرة او قبل ولادة المهدي (ع).

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية