السابقالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الأولى - صفحة121

الفصل التاسع :

الإستدلال على إمامة أهل البيت (ع) بنصوص التوراة

قوله :

يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والإنجيل لتعزيز نظرية الإمامة ونظرية الاثني عشرية... وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (ع) ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (ص) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الإسرائيليات.

نقول :

ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت (ع) لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الأدلة الأخرى على الإمامة ... وقد اخذ الشيعة الأوائل هذا المنهج عن أئمتهم (ع) ومنهج أهل البيت (ع) هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد (ص) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة .. ثم ان المؤسس للمقارنة هو رسول الله (ص) بقوله (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي) وقوله (الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل).


صفحة 123

نص الشبهة

كتب صاحب النشرة مقالا يستنكر فيه الإستدلال بالتوراة على إمامة أهل البيت(ع) وعنون المقال بمانشيت عريض يقول فيه (المنهج السبئي في البناء الفكري) ومما جاء في مقاله هذا قوله:

" يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والإنجيل لتعزيز نظرية الإمامة ونظرية الاثني عشرية. وقد نقل السيد مرتضى العسكري في كتاب (معالم المدرستين) الجزء الأول ص 539 فقرة من سفر التكوين، الإصحاح 17، الرقم 2018 تقول (وإسماعيل أباركه وأثمره وأكثره جدا جدا، اثنا عشر إماما يلد واجعله أمة كبيرة) وعلق عليها قائلا (يتضح من هذه الفقرة ان التكثير والمباركة إنما هما في صلب إسماعيل(ع) مما يجعل القصد واضحا في الرسول محمد(ص) وأهل بيته(ع) باعتبارهم امتدادا لنسل إسماعيل). كما استشهد بتلك الفقرة كاتب هو تامر مير مصطفى في كتاب له صدر تحت عنوان(بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار) عن دار التوحيد بقم سنة 1414. وفسر الكاتب (الاثني عشر رئيسا) الذين وعد الله في التوراة إسماعيل بولادتهم منه بأن المقصود منها ليس هم أبناؤه الاثني عشر المذكورة أسماؤهم في التوراة (سفر التكوين 25،13،16) وإنما المقصود هم الأئمة الاثنا عشر من ذرية الرسول، وذلك بعد حساب كلمة (كثيرا جدا) بحساب الجمل واثبات ان مجموعها يعادل رقم 92 وهو مجموع كلمة (محمد)، وقال كما أثبتنا ان مباركة الله الأولى لإسماعيل قد تحققت بمحمد رسول الله(ص) فان المباركة الثانية قد تحققت بظهور اثني عشر إماما مباركا جعلهم الله خلفاء لرسوله وامتدادا طبيعيا لدعوته المباركة (المصدر ص 62). ولا نريد هنا ان نناقش الكاتبين في مدى دلالة الفقرة الإسرائيلية على المطلوب، أو صراحتها، وهل تشمل (الاثنا عشر) لا تحتاج إلى كل هذا التكلف والمقارنة والاستعانة بالمصادر الإسرائيلية، ويكفي ان يتم بحثها وإثباتها عن طريق القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأحاديث أهل البيت(ع) إذا ثبتت فبها ونعمت، وإذا لم تثبت بعض معانيها وتفاصليها فلا بد ان نقتصر على الأحاديث الصحيحة. وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية


صفحة 125

النبي موسى(ع) ليوشع بن نون ووصية النبي محمد(ص) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الإسرائيليات " (1) .


(1) الشورى العدد الثالث ص6. رجوع


صفحة 126

نص الشبهة

ويؤاخذ على كلامه الانف الذكر

أولا :

ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت(ع) لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الأدلة الأخرى على الإمامة وقد مر في الشبهة الاولى ان اقدم كتاب كلامي ميسر عند الشيعة هو ياقوت الكلام لإبراهيم بن نوبخت قد ذكر ذلك كما ذكره أيضا النعماني (ت361هـ) في كتابه الغيبة وفيما يلي نص كلامه ، قال النعماني رحمه الله :

" ويزيد بإذن الله تعالى هذا الباب دلالة وبرهانا وتوكيدا تجب به الحجة على كل مخالف.. ما ثبت في التوراة مما يدل على الأئمة الاثني عشر (ع) ما ذكره في السفر الأول فيها من قصة إسماعيل قوله عز وجل (وقد أجبت دعاءك في


صفحة 127

إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدا جدا وسيلد اثني عشر عظيما اجعلهم أئمة كشعب عظيم) أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري رحمه الله ما أملاه عليه رجل من اليهود، ثم أورد النص العبري وهو (وليشمعيل شمعتيخا هني برختي اوتو وهفرتي اوتو وهربيتي اوتو بمئد مئد شنيم عاسار نسيئم يولد ونتتيوا لغوي غادول) "

ثم فسره بما ذكره في أول كلامه.

ثم قال رحمه الله بعد ذلك :

" فما بعد شهادة كتاب الله عز وجل ، ورواية الشيعة عن نبيّها وأئمتها، ورواية العامة من طرقها عن رجالها، وشهادة الكتب المتقدمة وأهلها ، بصحة أمر الأئمة الاثني عشر لمسترشد مرتاد طالب أو معاند جاحد من حجة تجب وبرهان يظهر وحق يلزم ان في هذا كفاية ومقنعا ومعتبرا ودليلا وبرهانا لمن هداه الله إلى نوره... " (1) .

وقد اخذ الشيعة الأوائل هذا المنهج عن أئمتهم(ع) حين كانوا يحاجون أهل الكتاب ويدلونهم على مواضع ذكرهم مع الرسول(ص) في التوراة والإنجيل.


(1) الغيبة للنعماني /109ـ110. رجوع


صفحة 128

ففي حوار الجاثليق مع الرضا(ع) قال الرضا(ع) لنسطاس الرومي :

" كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل ؟

قال : ما احفظني له . ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أتقرأ الإنجيل قال بلى لعمري ،

قال : فخذ على السفر الثالث فان كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وان لم يكن ذكره فلا تشهدوا... " (1) .

ومنهج أهل البيت (ع) هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد(ص) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة كقوله تعالى : (أَوَ لَم يَكُن لَّهُم آيَةً أَن يَعلَمَهُ عُلَمَاءُ بَني إسرَائيلَ) الشعراء 197 وقوله : (يَجدُونَهُ مَكتُوبًا عندَهُم في التَّورَاة وَ الإنجيل) الأعراف 157 ، وقد اجمع علماء الإسلام على الاستدلال بالتوراة والإنجيل على نبوة محمد (ص) في مقام الاحتجاج على أهل الكتاب وكتبوا بذلك عشرات الكتب .

وإذا كان الله تعالى قد أكرم أهل البيت (ع) بان ذكرهم في كتبه الأولى جنباً إلى جنب مع رسوله المكي الموعود فما وجه الغرابة ان يستدل بذلك على إمامتهم ؟


(1) كتاب التوحيد للصدوق /314. رجوع


صفحة 129

والذي ينعم النظر في عدد من نصوص البشارة بمحمد (ص) في الكتب السابقة يجد فيها النبي مقرونا بأهل بيته وليس من شك ان الفقرة (20) من الإصحاح (17) من سفر التكوين (1) هي اشهر نص وأوضحه في الحديث عن النبي وأهل بيته وعددهم، وكان يدركها علماء اليهود بوضوح وكانوا حين ينشرح صدرهم للإسلام يختارون الإئتمام بأهل البيت (ع) سواء في زمانهم أو في عصر الغيبة.

قال ابن تيمية في تعليقه على حديث الاثني عشر :

" وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر انهم يكونون مفرقين في الأمة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا، و (قد) غلط كثير ممن تشرف بالإسلام من اليهود فظنوا انهم الذين تدعوا إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم "(2) .

وكلامه وان كان سلبياً من ناحية تطبيق النص على أهل البيت (ع) ولكنه من ناحية أخرى يؤكد ما ذكره النعماني وما ورد


(1) بحثنا هذا النص بشكل مفصل في مقال نشر في مجلة ميقات الحج العدد الاول . رجوع

(2) البداية والنهاية ج6/250


صفحة 130

عن أهل البيت (ع) من وجود نصوص في أمر أهل البيت (ع) كما هو الحال في خاتم الأنبياء (ص).

وقد فات ابن تيمية ونظراءه ان علماء اليهود الذين أسلموا وتشيعوا لأهل البيت (ع) كانوا قد وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة من النصوص التوراتية بعضها يعضد بعضاً باتجاه أهل البيت (ع) دون غيرهم (1) .

ثانيا :

قوله (وربما كان ابن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى التشيع بمقارنته بين وصية النبي موسى ليوشع ووصية النبي محمد (ص) لعلي...)

أقول: ان المؤسس للمقارنة هو رسول الله (ص) بقوله : " يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي" وهو حديث


(1) وقد قمنا بدراسة تفصيلية لهذه النصوص نرجوا ان نوفق لنشرهافي فرصة قريبة . رجوع


صفحة 131

صحيح مروي في الكتب المعتبرة عند السنة فضلاً عن لشيعة (1) .

و بقوله (ص) لسلمان لما سأله يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عنه ثم بعد ذلك دعاه فقال :

" ياسلمان تعلم من وصي موسى ؟

قال : سلمان قلت نعم يوشع بن نون !

قال : ولم ؟

قلت : لانه كان أعلمهم .

قال : فان وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن ابي طالب " (2) .


(1) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما واحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم . رجوع

(2) المعجم الكبير للطبراني ج6/221/رقم 6063. قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا ابراهيم بن الحسن الثعلبي حدثنا يحيى بن يعلى عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن ابي سعيد الخدري عن سلمان. وقد علق الطبراني على الحديث بقوله (قوله وصيي يعني انه اوصاه في اهله لا بالخلافة وقوله خير من اترك بعدي يعني من اهل بيته (ص)) وجاء بهامشه كلام محقق الكتاب حمدي السلفي يخاطب الطبراني (من اين لك هذا يا ابا القاسم (يريد الطبراني) والحديث ليس بصحيح ولو كان صحيحا لم يقبل التأويل وهو بمعنى الخلافة لا كما قلت انت، قال ابن حجر الهيثمي في مجمع الزو ائد (وفي اسناده ناصح بن عبد الله وهو متروك).أقول انما تركوا حديث ناصح لأجل حديثه الانف الذكر لما علموا من دلالته الصريحة ولما رواه اسماعيل بن ابان عنه عن سماك عن جابر قال قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة قال (من عسى ان يحملها الا من حملها في الدنيا). (رواه الذهبي في ميزان الاعتدال بترجمة ناصح). وقد قال عنه الذهبي في ترجمته انه كان من العابدين ذكره الحسن بن صالح فقال رجل صالح نعم الرجل. وقد روى حديث سلمان هذا ايضا سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ورواه أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة ج2/178. رجوع


صفحة 132

وبقوله (ص) :

" الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل " .

وكذلك قوله (ص) في الحسن والحسين :

" إني سميتهما باسم شبر وشبير ولدي هارون " .

فهل يقال في حق النبي (ص) انه قدم مادة لاتهام الإسلام باستيراد نظرياته من الإسرائيليات؟

وقبل ذلك فان القرآن الكريم هو المؤسس لهذه المقارنة وغارس بذرتها، حين ضرب الأمثال للآخِرين بما جرى على الأولين، وقد عني عناية خاصة بقصص بني إسرائيل للتشابه الكبير بينها وبين نظيراتها في بني إسماعيل بعد بعثة محمد (ص) إلى آخر الدنيا. وقد قال النبي (ص) :

" كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون


صفحة 133

في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقُذة بالقذة" (1)

وفي رواية :

" لتركبن سنن من كان قبلكم حلوَها ومرَّها " (2).


(1) اكمال الدين للصدوق /576 (والقذة ريش السهم) . 0رجوع

(2) فتح الباري 17/64، مسند احمد 3/94، ج2/327، 367، 450، 511، 527، ج3/94، ج4/125، ج5/218، 340 . رجوع

 السابقالمحتوياتالصفحة الأساسية