السابقالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الثانية - صفحة 147

الفصل الثامن:

اسئلة الدكتور الشرقاوي حول نظرية النص


صفحة 149

 

أسئلة الدكتور
الشرقاوي حول نظرية النص

 

نشرت نشرة الشورى في حقل رسائل القراء رسالة موقعة باسم الدكتور الشرقاوي فيما يلي نصها :

“ السيد رئيس تحرير (الشورى) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

تلبية لدعوتكم إلى مناقشة موضوع الشورى عند جيل الصحابة ، ومساهمة في ممارسة الشورى والدخول في نادي (الشورى) أود ان أقول في البداية انني لم اقرأ نقدا موضوعيا هادئا لنظرية الشورى كما قرأته في المقال الموجز للشهيد السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) والمقتبس من كراسة له حول (الولاية) .. ولست ادري فيما إذا كان ذلك هو رأيه الأخير أم ان له استدراكات أخرى على الموضوع

وعلى أي حال فقد شدتني فكرته القائلة بضرورة قيام الرسول بعملية توعية للامة والدعاة على نظام الشورى وحدوده وتفاصيله.


صفحة 150

لو كان قد اتخذ منه موقفا إيجابيا ، ولأعد المجتمع الإسلامي إعدادا فكريا وروحيا لتقبل هذا النظام ، ولطرح فكرة الشورى على نطاق واسع وبعمق وبإعداد نفسي عام وملء لكل الثغرات وإبراز لكل التفاصيل التي تجعل الفكرة عملية ، خاصة وان الشورى كفكرة ومفهوم غائم لا يمكن وضعه موضع التنفيذ ما لم تشرح تفاصيله ومقاييس التفضيل عند اختلاف الشورى وهل تقوم على أساس العدد والكم أم على أساس الكيف والخبرة .. وما إلى ذلك من الأسئلة والنقاط المهمة التي أثارها الشهيد الصدر ، وقطع على ضوئها بعدم تبني الرسول الأعظم (ص) لنظام الشورى ، وعدم إسناد زعامة الأمة إلى القيادة التي تنبثق عن هذا النظام .

ومع ان الشهيد الصدر قد انتهى بعد إسقاط أو سقوط نظرية الشورى إلى طرح نظرية النص والتعيين وإعداد النبي للإمام علي من بعده لكي يتولى زعامة الأمة فكريا وسياسيا ، إلا انني وقبل ان ادخل في مناقشة الموضوع أتساءل فيما إذا كانت هنالك ضرورة لان يسند النبي (ص) زعامة الدعوة إلى أي قائد من بعده خاصة وانه خاتم النبيين وقد اكمل الله تعالى على يديه الدين وقال له : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) .


صفحة 151

وبكلمة أخرى .. لماذا نفترض ان النظام السياسي الذي أعقب مرحلة النبوة كان يجب ان يتمتع بهالة قدسية دينية أو ان يقوم بأدوار لإكمال الرسالة إلا يمكن ان يكون الرسول قد ترك وراءه نظاما سياسيا مدنياً وترك للمسلمين حرية اختيار النظام وتطويره حسب الزمان والمكان

وإذا كان لابد ان يترك الرسول وراءه نظاما سياسيا يشكل امتدادا لخط النبوة وتتمثل فيه المرجعية الفكرية والزعامة السياسية ، وانه ـ كما يقول الصدر ـ قد اختار الإمام علي بن أبي طالب واعده إعدادا رساليا وقياديا ، وعهد إليه زعامة الأمة من بعده فكريا وسياسيا ، فان الاشكالات التي أخذها الصدر كلها ترد على هذه النظرية أيضا وبشكل أقوى .

ويمكن ان نعيد تكرار كل تلك الملاحظات والتساؤلات هنا مرة أخرى .. فتقول مثلا :

ان نظرية النص والتعيين فكرة غامضة وغائمة لا يكفي طرحها هكذا لعدم إمكانية وضعها موضع التنفيذ ما لم تشرح تفاصليها وبدقه ، وهل تقتصر على شخص الإمام علي وحده ام تمتد إلى ما وراءه ؟ وهل يوصي كل إمام لرجل من عامة المسلمين من بعده أم


صفحة 152

تنحصر في سلالة معينة ولماذا ؟ وهل ان النص والتعيين لمرحلة زمنية معينة فقط أم أنها نظرية ممتدة إلى يوم القيامة ؟ وإذا كانت الإمامة في سلالة الإمام علي فهل هي في ولد الحسن أو الحسين أو في أولادهما جميعا ؟ وكيف تنتقل الإمامة من واحد إلى آخر ؟ وكيف نعرف الإمام بعد الإمام وما هي علامات الإمامة ؟

وهل أوصى الرسول بأسماء الأئمة من بعده إلى يوم القيامة وأعلن ذلك ؟ وإذا كانت أسماء الأئمة قد حددت من قبل فماذا يعني البداء الذي حدث لعدد من الأئمة الذين أوصوا إلى بعض أبنائهم كالإمام الصادق الذي أوصى إلى إسماعيل والإمام الهادي الذي أوصى إلى ابنه محمد ، فتوفوا قبل استلام مقاليد الإمامة ؟

وإذا كان الرسول الأعظم (ص) قد بين كل هذه التفاصيل فلماذا لم تصل إلينا ؟ وإذا كانت قد وصلت إلى الشيعة الأوائل فلماذا افترقوا خلال قرن من الزمان إلى اكثر من خمسين فرقة حيث كانوا يحتارون بعد وفاة كل إمام ويتشرذمون إلى عدة خطوط حسب عدد أولاد كل إمام ؟

ولماذا كانت نظرية النص مجهولة عند أهل البيت (ع) ، ولم يذكرها الإمام علي (ع) في مناظراته مع أصحاب الشورى عند


صفحة 153

انتخاب الخليفة الثالث عثمان بن عفان ؟ ولماذا كانت نظرية النص غائبة عن أذهان الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين ذهبوا فور وفاة الرسول إلى السقيفة يتأولون أمر انتخاب خليفة للمسلمين ، ولم يخطر ببالهم وجود بيعة في أعناقهم للإمام علي (ع) في غدير خم ؟

نرجوا ان توضحوا الفرق في النظريتين الشورى والإمامة ، في العدد القادم من (الشورى) وتجيبوا على تلك الأسئلة المحيرة التي تقف عقبة امام الإيمان بنظرية النص ، خاصة وان الشهيد الصدر لم يذكر مسألة استمرار الإمامة بعد الإمام علي (ع) ولم يخض في أي جانب من التفاصيل . وشكرا والسلام عليكم .

د . عبد السميع الشرقاوي / مانشستر ” (1) .


(1) الشورى العدد الرابع ص 6وقد اجاب عنها احمد الكاتب اجابة مشوهة تنسجم مع رؤيته الخاطئة لمسألة الامامة وقد غضضنا الطرف عن مناقشة اجابته وآثرنا اجابة اسئلة الشرقاوي مباشرةً .


  1. صفحة 154

قضيتان في اسئلة الشرقاوي :

اقول: ان أسئلة الدكتور الشرقاوي تدور حول قضيتين رئيسيتين :

الأولى: مبررات القول بفكرة النص ومبررات رفض فكرة الشورى .

الثانية: اشكالات حول فكرة النص من خلال اثارة عدة اسئلة حولها .

 


صفحة 155

القضية الأولى:

اما مبررات القول بفكرة النص فقد وضحها الشهيد الصدر في كتابه (بحث حول الولاية) وهي بشكل مختصر كما يلي :

كان أمام النبي (ص) ثلاثة طرق بالإمكان انتهاجها تجاه مستقبل الدعوة .

أولهما: الطريق السلبي وذلك بان يترك مستقبل الدعوة للظروف والصدف .

ثانيها: الطريق الإيجابي وذلك بان يجعل القيمومة على الدعوة للمهاجرين الأنصار .

ثالثها: ان يختار بأمر الله تعالى من يقوم مقامه .


صفحة 156

الطريق الأول (الإهمال) :

ثم ناقش الشهيد الصدر (رح) الطريق الأول بأن سلط الضوء على الأخطار التي كانت تواجه التجربة الإسلامية الأولى .

سواء تلك التي تنشأ من وجود المنافقين اللذين كانوا يكيدون للنبي (ص) في حياته إضافة إلى مسلمة الفتح والطلقاء الذين اسلموا خضوعا للأمر الواقع انفتاحا على الحقيقة .

أو تلك التي تنشا من عدم النضج الرسالي وتفاوت الفهم والذوبان بالإسلام عند المهاجرين والأنصار أو تلك التي تنشأ من طبيعة مواجهة الفراغ دون تخطيط مسبق وهو بنفسه ينطوي على خطر كبير فكيف إذا أضفنا إليه الأمرين السابقين .

ان افتراض الطريق الأول معناه ان النبي كان لا يشعر بتلك الأخطار ، وهو أمر لا يمكن تصوره في حق قائد مارس العمل العقائدي فضلا عن خاتم الأنبياء ، أو انه كان يشعر بذلك ويقدره إلا انه (ص) لم يكن يهمه أمر سلامة المسيرة من بعده وهذا التفسير أيضا لا يمكن ان يصدق عليه (ص) إذ ان سيرته (ص) حافلة بشواهد كثيرة تدل على ضد ذلك ، واهم هذه الشواهد ما أجمعت كتب الحديث عند السنة والشيعة على نقله هو قوله (ص) وهو على فراش المرض :


صفحة 157

“ هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ” (1) .

فان هذه المحاولة منه (ص) المتفق على نقلها وصحتها تدل وبوضوح على انه (ص) كان يفكر في أخطار المستقبل وانه كان معنيا بصيانة المسيرة بعده من الضلال والانحراف وبالتالي فان افتراض الطريق الأول غير صادق في حقه (ص) .

 

الطريق الثاني (الشورى) :

وقد ناقش السيد الشهيد الطريق الثاني بقوله ان الوضع العام


(1) عن ابن عباس قال : " لما حُضِرَ رسول الله (ص) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال ، النبي (ص) هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر ان النبي (ص) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ... " صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج7 : 9 افست دار الفكر على ط . استانبول ، ص 7 ص 156 ط . وج 4 : 7 دار احياء المكتب وج4 : 5 ط الميمنية بمصر وج 6 ص 97 ط بمبي وج 4 ص 6 ط المطبعة الخيرية بمصر . صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 ط محمد علي صبيح وط المكتبة التجارية . وج 2 ص 16 ط عيسى الحلبي وج 11 ص 95 ط مصر بشرح النووي ، مسند احمد ج 4 ص 356 ح 2992 بسند صحيح ط دار المارف بمصر (انظر المراجعات بتحقيق حسين الراضي فقد اورد المصادر تفصيلا في الملاحق ص 192 ـ 195) .


  1. صفحة 158

    الثابت عن الرسول (ص) وجيل المهاجرين والأنصار ينفي فرضية ان النبي (ص) قد انتهج هذا الطريق .

إذ لو كان النبي (ص) أراد ان يسند الأمر إلى جيل المهاجرين والأنصار دون حصرها بأهل بيته (ع) لكان من أبده الأشياء التي يتطلبها هذا الموقف هو ان يقوم الرسول (ص) بعملية توعية للأمة على نظام الشورى وتفاصيله وإعداد المجتمع الإسلامي لتقبل هذا النظام .

ولو كان النبي (ص) قد قام بتلك التوعية لكان من الطبيعي ان تنعكس في الأحاديث المأثورة عن النبي (ص) وفي ذهنية جيل المهاجرين والأنصار مع أننا لا نجد في الأحاديث عن النبي (ص) أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى .

واما ذهنية المهاجرين والأنصار فلا نجد فيها ملامح أو انعكاسات كاشفة عن توعية من هذا القبيل فان هذا الجيل كان يحتوي على اتجاهين .

أحدهما: الاتجاه الذي يتزعمه أهل البيت (ع) وكان يؤمن بالوصية .

والاَّخر: الاتجاه الذي تمثله السقيفة والخلافة التي قامت فعلا


صفحة 159

بعد وفاة النبي (ص) ، وكل الأرقام والشواهد في سيرة أصحاب هذا الاتجاه تدل بصورة لا تقبل الشك على انه لم يكن يؤمن بالشورى ، إذ ان أبا بكر حين اشتد به المرض عهد إلى عمر وولاه على الأمة ، وسار عمر على المنهج نفسه حين عين ستة يختارون من بينهم واحدا وكان يقول “ لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى ” (1) .

ولو كان النبي (ص) قد قرر ان يجعل من جيل المهاجرين والأنصار قيما على الدعوة من بعده ، لتحتم عليه ان يعبئ هذا الجيل تعبئة رسالية وفكرية واسعة تجعله قادرا على مواجهة المشكلات الفكرية التي تواجهها الدعوة في حالة انفتاحها على شعوب متعددة وأراضي جديدة .

ولكننا لا نجد أثرا لذلك الإعداد ، والمعروف عن الصحابة انهم كانوا يتحاشون من ابتداء النبي (ص) بالسؤال ، بل امسكوا عن تدوين آثار الرسول (ص) وسننه على رغم أنها المصدر الثاني من مصادر الإسلام ، وكون التدوين هو الأسلوب الوحيد لحفظها (2) .


(1) مرت مصادر ذلك في قصة الشورى المبحوثة في هذا العدد من النشرة .

(2) اقول وقد نهت الخلافة على عهد الثلاثة عن نشر السنة النبوية وأمر ت بإحراق ما دونه الصحابة .

اما مسألة النهي فتوضحه الأخبار الاَّتية : روى الذهبي ان ابا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : " انكم تحدثون عن رسول الله (ص) احاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم اشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن ساءلكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه " تذكرة الحفاظ بترجمة ابي بكر ج : 3ـ2 . وروى ايضا عن قرظة بن كعب انه قال : " لما سيَّرنا عمر الى العراق مشى معنا عمر الى صرار ، ثم قال : اتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا : اردت ان تشيعنا وتكرمنا ، قال : ان مع ذلك لحاجة ، انكم تاءتون اهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وانا شريككم ، قال قرظة : فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله " . تذكرة الحفاظ ح1 : 4ـ5 وجامع بيان العلم لابن عبد البر باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم له 2 : 147 . وكان في الصحابة مثل قرظة بن كعب ممن تابعوا سنة الخلفاء وامتنعوا عن نشر سنة الرسول نظير عبد الله بن عمر وسعد بن ابي وقاص فقد روى الدارمي في باب من هاب الفتيا بكتاب العلم من سننه 1 : 84ـ85 . عن الشعبي قال : جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله . وفي رواية اخرى عنه ، قال قعدت مع ابن عمر سنتين او سنة ونصف فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا الا هذا الحديث . وروي عن السائب بن يزيد ، قال : خرجت مع سعد ـابن ابي وقاصـ الى مكة فما سمعته يحدث حديثا عن رسول الله حتى رجعنا إلى المدينة . وكان في الصحابة من خالف سنة الخلفاء في نهيهم عن نشر الحديث النبوي واصر على رواية سنة الرسول وتحمل في سبيل ذلك الارهاق والاذى . روى الذهبي " ان عمر بن الخطاب حبس ثلاثة : ابن مسعود ، وابا الدرداء ، وابا مسعود الانصاري ، فقال : اكثرتم الحديث عن رسول الله " تذكرة الحفاظ ج1 : 7 ترجمة عمر . وروى الدارمي : " ان ابا ذركان جالسا عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه فاءتاه رجل فوقف عليه ثم قال : الم تُنْهَ عن الفتيا ؟ فرفع راءسه اليه ، فقال ارقيب انت عليَّ ؟ لووضعتم الصَّمصامة على هذه واشار الى قفاه ثم ظننت اني انفذ كلمة سمعت من رسول الله قبل ان تجيزوا عليَّ لانفدتها " سنن الدارمي1 : 132 وطبقات ابن سعد 2 : 354 بترجمة ابي ذر ، واختصرها البخاري واوردها في صحيحه 1 : 161 باب العلم قبل القول ، ومعنى اجاز على الجريح : اجهز عليه . وللمزيد من هذه الاخبار انظر معالم المدرستين ج2 ط4 : 47ـ51 .

اما مساءلة إحراق مدونات الصحابة في الحديث فتوضحه الاخبار التالية : روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 : 5 عن عائشة " انَّ ابا بكر جمع خمسمائة من حديث النبي ودعابنار فاحرقها " . وروى الخطيب البغدادي فى كتابه تقييد العلم : 52 ط مصر 1974 بسنده الى القاسم بن محمد " ان عمر بن الخطاببلغه انه قد ظهر فى ايدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها ، وقال : ايها الناس انه قد بلغنى انه قد ظهرت فى ايديكم كتب فاحبها إلى الله اعدلها واقومها فلا يبقين احد عنده كتاب الا اتاني به فارى فيه راءيي ، قال فظنوا انه يريد ان ينظر فيها ويقومها على امر لا يكون فيه اختلاف ، فاتوه بكتبهم فاحرقها بالنار ، ثم قال : امنية كاءمنية اهل الكتاب " . وفي طبقات ابن سعد 5 : 188 " قال عبد الله بن العلاء : ساءلت القاسم يملي عليَّ احاديث ، فقال : ان الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فانشد الناس ان ياءتوه بها فلما اتوه بها امر بتحريقها ثم قال : مثناة كمثناة اهل الكتاب ، فمنعني القاسم يومئذ ان اكتب حديثا " . وروى الخطيب عن سفيان بن عينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة " ان عمر بن الخطاب اراد ان يكتب السنة ثم بدا له ان لا يكتبها ، ثم كتب في الامصار : من كان عنده منها شىء فليمحه " . تقييد العلم : 53 ، جامع بيان العلم 1 : 65 . وروى الخطيب أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : " جاء علقمة بكتاب من مكة او اليمن صحيفة فيها احاديث في أهل البيت بيت النبي ، فاستاءذنا على عبد الله (بن مسعود)فدخلنا عليه ، قال فدفعنا اليه الصحيفة ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له : يا ابا عبد الرحمن انظر فيها فان فيها احاديث حِسانا ، قال فجعل يميثها فيها ويقول : نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن القلوب اوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه " . (وماث يميث مَيْثًا اذاب الملح في الماء) . وفي رواية اخرى عن عبد الرحمن بن الاسود عن ابيه قال : " جاء رجل من اهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام ابي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال : يا ابا عبد الرحمن الا تنظر ما في هذه الصحفية من كلام اخيك ابي الدرداء وقصص من قصصه ، فاخذ الصحيفة فجعل يقراء فيها وينظر حتى اتى منزله فقال يا جارية آتيني بالإجّانة مملوءة ماء ، فجاءت به فجعل يدلكها ويقول : (الم تلك ايات الكتاب المبين ... نحن نقص عليك احسن القصص) اقصصا احسن من قصص الله تريدون او حديثا احسن من حديث الله تريدون " . تقييد العلم : 54 .


  1. صفحة 163

    وقد اثبتت الاحداث بعد وفاة النبي (ص) ان جيل المهاجرين والأنصار لم يكن يملك أي تعليمات محددة عن كثير من المشاكل الكبيرة ، حتى ان المساحة الهائلة من الأرض التي امتد إليها الفتح الإسلامي لم يكن لدى الخليفة والوسط الذي يسنده أي تصور محدد عن حكمها الشرعي ، وعما إذا كانت تقسم بين المقاتلين أو تجعل وقفا على المسلمين عموما ، بل اختلفوا في عدد التكبيرات في صلاة الميت فبعضهم يقول سمعت رسول الله (ص) يكبر خمسا وآخر يقول سمعت يكبر أربعا .

 

الطريق الثالث (النص):

وهكذا اتضح ان النبي (ص) لم يسلك الطريق الثاني أيضا .

وان إسناد القيادة والقيمومة إلى الأمة كان إجراءً مبكرا وقبل


صفحة 164

وقته الطبيعي فلم يبق إذن إلا الطريق الثالث وهو ان النبي (ص) اعد بأمر الله تعالى عليا (ع) وعينه قيما على الرسالة والأمة وليس ما تواتر عن النبي (ص) من النصوص في أهل بيته (ع) وفي علي إلا تعبيرا عن سلوكه (ص) للطريق الثالث الذي كانت تفرضه وتدل عليه قبل ذلك طبيعة الأشياء .

والشواهد في حياة النبي (ص) وعلي (ع) على ان النبي (ص) كان يعد عليا (ع) إعداد رساليا خاصا كثيرة جدا ، فقد كان يبدأه النبي (ص) بالعطاء الفكري إذا استنفذ أسئلته ، ويختلي به الساعات الطوال في الليل والنهار يفتح عينه على مفاهيم الرسالة ومشاكل الطريق إلى آخر يوم من حياته الشريفة .

روى النسائي (1) بسنده عن أبي اسحق قال سألت قثم بن العباس (كيف ورث علي (ع) رسول الله قال لانه كان أولنا به لحوقا واشدنا به لزوقا) .

وروى أيضا (2) عن علي (ع) قال كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت .


(1) الخصائص 91 تحقيق الجويني طبعة دار الكتب العلمية ، ورواه ايضا الحاكم في المستدرك ج3 : 136 .

(2) الخصائص ص 98 والمستدرك ج3 : 135 .


  1. صفحة 165

    وروى أبو نعيم في حلية الأولياء (1) عن ابن عباس انه قال : “ كنا نتحدث ان النبي (ص) عهد إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره ”.

وروى النسائي عن علي (ع) انه قال : “ كانت لي منزلة من رسول الله (ص) لم تكن لأحد من الخلائق فكنت آتيه كل سحر فاقول السلام عليك يانبي الله فان تنحنح انصرفت إلى اهلي والا دخلت عليه ” (2) .

وعنه أيضا قوله (ع) : “ كان لي من النبي مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار ” (3) .

وقد انعكس هذا الإعداد الخاص لعلي (ع) من قبل النبي (ص) حين كان علي (ع) هو المفزع والمرجع لحل أي مشكلة يستعصي حلها على القيادة الحاكمة وقتئذ ، ولن يعرف في تاريخ التجربة الإسلامية على عهد علي (ع) واقعة واحدة رجع فيها الإمام (ع) إلى غيره يتعرف على رأي الإسلام وطريقة علاجه للموقف ، بينما


(1) ج 1 : 68 .

(2) الخصائص : 97 تحقيق الجويني ط . دار الكتب العلمية .

(3) الخصائص : 96 .


  1. صفحة 166

نعرف في التاريخ عشرات الوقائع التي رجع فيها الخلفاء إلى علي (ع) رغم تحفظاتهم في هذا الموضوع .

اما الشواهد على إعلان النبي (ص) تخطيطه في علي وأهل بيته (ع) فهي كثيرة وفي مناسبات متعددة كحديث الدار وحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الغدير وعشرات النصوص النبوية الأخرى .


صفحة 167

القضية الثانية:

اما الاشكالات على فكرة النص فهي من خلال الأسئلة الاتية مع اجوبتها :

السؤال الأول:

قوله “ لماذا كانت نظرية النص مجهولة عند أهل البيت (ع) ولم يذكرها الإمام علي (ع) في مناظراته مع أصحاب الشورى ؟ ”.

وهذا الإشكال صياغة أخرى للسؤال الذي أثاره الدكتور البغدادي وغيره “ لو كان ثمة نص لاحتج به علي (ع) ”.

جوابه:

قد اجبنا عليه مفصلا في جواب الشبهة - 11 وكذلك الشبهة – 13تحت عنوان (علي يتظلم من قريش) ، وقلنا هناك ان عليا قد احتج بالنصوص .


صفحة 168

السؤال الثاني:

قوله“ لماذا كانت نظرية النص غائبة عن أذهان الصحابة الذين ذهبوا فور وفاة الرسول إلى السقيفة يتداولون أمر انتخاب خليفة للمسلمين ؟ ”.

وهو صياغة أخرى للسؤال الذي أثاره البغدادي “ لو كان ثمة نص فالصحابة اكبر من ان يخالفوا ”.

جوابه :

قد اجبنا على هذا السؤال مفصلا في الشبهة - 15 من هذه النشرة ، وقلنا ان الصحابة قد تورطوا في مخالفة النص في اكثر من مورد وفصلنا في مخالفتهم للنص الوارد في شأن متعة الحج .

السؤال الثالث :

قوله “ هل يقتصر النص على شخص الإمام علي (ع) وحده ؟ أم يمتد إلى ما وراءه ؟ وهل يوصي كل إمام لرجل من عامة المسلمين من بعده ؟ أم تنحصر في سلالة معينة ؟ ولماذا ؟ وإذا كانت في سلالة الإمام علي فهل هي في ولد الحسن ؟ أو أولاد الحسين ؟ أو أولادهما جميعا ؟ ”.


صفحة 169

جوابه:

لقد شخصت نظرية النص بوضوح كامل ان الأوصياء ينحصرون في علي والحسن ثم الحسين ثم في تسعة من ذرية الحسين (ع) و ان ذلك قد تم بأمر الله تعالى و “ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ و َهُمْ يَسْأَلُونَ ”، وان هـؤلاء الأوصياء ليسوا مجرد حكام بل منزلتهم منزلة الرسول في كل شىء إلا النبوة والأزواج كما حصر الله تعالى النبوة والرسالة من قبل في ذرية نوح ثم في ذرية إبراهيم ثم في آل عمران من بني إسرائيل وقد ذكرنا طرفا من الروايات الوارد في هذا الموضوع في الحلقة الاولى .

السؤال الرابع:

قوله “ هل ان النص والتعيين لمرحلة زمنية معينة فقط ؟ أم أنها نظرية ممتدة إلى يوم القيامة ؟ ”.

جوابه:

اجبنا عنه في الشبهة - 10 من هذه النشرة .


صفحة 170

السؤال الخامس:

قوله “ هل أوصى الرسول بأسماء الأئمة من بعده إلى يوم القيامة وأعلن ذلك من قبل ؟ أم ترك ذلك للمستقبل وأخفاه ؟ وما هي المصادر الموثوقة التي تحدد ذلك ؟ ولماذا لم تصل إلينا ؟ ”.

جوابه:

أجمعت المصادر الإسلامية على ان النبي (ص) بلغ أمته ان عدد خلفائه من بعده اثنا عشر وانهم من قريش من بني هاشم من أهل بيته وقد أشرنا إلى مصادر الحديث في جواب الشبهة – 8 الحلقة الأولى .

وقد عرَّف النبي (ص) باسم أولهم وهو علي (ع) في مناسبات شتى كان آخرها مناسبة غدير خم امام مائة ألف أو يزيدون ، وعرَّف أيضا باسم ثانيهم وثالثهم وهما الحسن والحسين (ع) ، وأشار ان آخرهم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بقية التسعة من ذرية الحسين (ع) وان المهدي (ع) من ذرية الحسين (ع) .

روى الجويني عن عبد الله بن عباس قال ، قال رسول الله (ص) أنا سيد النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين وان أوصيائي من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب واخرهم المهدي (ع) .


صفحة 171

وروى الجويني عن ابن عباس أيضا قال : “ سمعت رسول الله (ص) يقول : أنا وعلي الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون ” ( 1) .

وقد حوصرت هذه الأحاديث ونظائرها من قبل السلطات الأموية والعباسية ومن هنا لم يصلنا في كتب العامة منها إلا النزر القليل .

اما في كتب الشيعة فقد وصلتنا أحاديث تذكر أسماءهم (ع) منها ما روي عن سليم بن قيس وقد أشرنا إليه في جواب الشبهة – 4 و 8 من الحلقة الأولى .

السؤال السادس:

قوله “ إذا كانت أسماء الأئمة قد حددت من قبل فماذا يعني البداء الذي حدث لعدد من الأئمة الذين أوصوا إلى بعض أبنائهم


(1) قال الذهبي في ترجمة شيوخه بتذكره الحفاظ ص 1505 (الامام الاوحد الاكمل فخر الاسلام صدر الدين ابراهيم بن محمد بن حمويه الجويني الشافعي شيخ الصوفية وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء اسلم على يده غازان) . معالم المدرستين للعسكري ج1 ط4 : 548 نقلا عن فرائد السمطين نسخة مصورة مخطوطة في المكتبة المركزية لجامعة طهران برقم 1164 : 1690ـ1691 الورقة 160 .


  1. صفحة 172

    كالإمام الصادق (ع) الذي أوصى إلى إسماعيل والإمام الهادي الذي أوصى إلى ابنه محمد فتوفوا قبل استلام مقاليد الإمامة ؟ ”.

جوابه:

أشرنا إلى ذلك تفصيلا في جواب الشبهة – 6 من الحلقة الأولى ، وقلنا هناك ان الإمام الصادق (ع) لم ينص على إمامة إسماعيل ، وكذلك الإمام الهادي (ع) لم ينص على إمامة ولده محمد وان أمر الإمامة لا يوصف الله تعالى فيه بالبداء وعليه إجماع الإمامية كما ذكر ذلك الشيخ المفيد .

السؤال السابع:

قوله “ وإذا وصلت أسماء الأئمة إلى الشيعة الأوائل فلماذا افترقوا خلال قرن من الزمان إلى اكثر من خمسين فرقة حيث كانوا يحتارون بعد وفاة كل إمام ويتشرذمون إلى عدة خطوط حسب عدد أولاد كل إمام ؟ ”.

جوابه:

خلاصة الجواب ان ذكر اسم الإمام اللاحق من الإمام السابق


صفحة 173

ليس معناه عصمة الشيعة من الاختلاف ألم ينص النبي (ص) على علي (ع) امام مائة ألف أو يزيدون من المسلمين ثم جعل أكثرهم النص وراء ظهورهم .

روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن يونس بن عبد الرحمن قال : “ مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ” (1) .

وروى الكشي في ترجمة منصور بنيونس عن حمدوية عن محمد بن الاصبغ عن إبراهيم عن عثمان بن القاسم : “ ان منصور بن


(1) علل الشرائع : 235 ، ايضا غيبة الشيخ الصدوق : 64 تحقيق مؤسسة دار المعارف وفيه زيادة من قول يونس وهي قوله (فلما رأت ذلك وتبنيت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (ع) ماعلمت تكلمت ودعوت الناس اليه ، فبعثا اليَّ وقالا ما يدعوك الى هذا ؟ ان كنت تريد المال فنحن نغنيك وضمنا لي عشرة الاَّف دينار وقالا لي كفَّ ، فأبيت وقلت لهما إنّا روينا عن الصادقين (ع) انهم قالوا (إذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان) ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة .


  1. صفحة 174

    يونس بزرج جحد النص على الرضا (ع) لأموالٍ كانت في يده ” (1) .

وقال الشيخ الطوسي : “ روى الثقات ان أول من اظهر هذا الاعتقاد (اي الموقف) علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي ، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حكامها ، واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع وابن المكاري (2) وكرام الخثعمي (3) وأمثالهم ” (4) .

السؤال الثامن:

قوله “كيف نعرف الإمام بعد الإمام ؟ وما هي علاماتالإمامة ؟ ”.

جوابه:

لقد أوضحت نظرية النص من خلال روايات عدة عن الأئمة (ع) ان الإمام اللاحق يُعرَف بالنص من الإمام السابق وحين يدعي مدع


(1) الكشي : 2 : 768 ح893 .

(2) هو الحسين بن ابي سعيد هاشم بن حيان (حنان) المكاري قال النجاشي : كان هو وابوه وجهين فيي الواقفة وكان الحسين ثقة في حديثه .

(3) هو عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي وكرام لقبه قال النجاشي ثقة ثقة .

(4) غيبة الشيخ الطوسي : 63ـ64 بحقيق مؤسسة دار المعارف .


  1. صفحة 175

    الإمامة في قبال المنصوص عليه أو حين يخفى النص على البعضفهناك علامات ترشد إلى الواقع كما في الروايات التالية :

روى الكافي عن أبي بصير قال : “ قلت لابي الحسن (ع) جعلت فداك بم يعرف الإمام ؟ قال فقال بخصال :

اما أولها فانه بشىء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة لتكون عليهم حجة .

ويُسأل فيجيب ، وان سُكِتَ عنه ابتدأ .

ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان .

ثم قال لي : يا أبا محمد أعطيك علامة قبل ان تقوم ، فلم البث ان دخل علينا رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فاجابه أبو الحسن (ع) بالفارسية فقال له الخراساني والله جعلت فداك ما منعني ان أكلمك بالخراسانية ، غير أني ظننت انك لا تحسنها فقال : سبحان الله إذا كنت لا احسن أجيبك فما فضلي عليك .

ثم قال : يا أبا محمد ان الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولاشىء فيه الروح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام (1) .


(1) ج1 : 285 الحديث رقم 7 .


  1. صفحة 176

    شرح الرواية:

قوله (ع) (اما أولها فانه بشىء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة منه إليه لتكون عليهم حجة) .

يريد بهذا الشىء المتقدم من الامام الاب هو النص بالإمامة ، أو يريد الوصية الظاهرة التي قد يشرك فيها معه آخرون وهذا الاخير هو الأرجح ، لان النص بالإمامة لا يحتاج معه إلى شىء من العلامات الأخرى ، ويدل على هذا الرجحان عدة روايات .

منها ما رواه الكليني في الكافي عن عبد الأعلى قال ، قال الباقر (ع) يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره : هو أولى الناس بالذي قبله ، وهو وصيه ، وعنده سلاح رسول الله (ص) .. ثم دعا بشهود أربعة كتب وصيته إلى ولده جعفر (ع) وسأله جعفر عن علة الوصية فقال له (ع) : اني كرهت ان تغلب وان يقال انه لم يوص فأردت ان تكون لك حجة فهو الذي إذا قدم الرجل البلد قال : من وصي فلان قيل فلان قلت (أي عبد الأعلى) فان أشرك في الوصية قال تسألونه فانه سيبين لكم (1) .


(1) ج 1 : 376 الحديث رقم 2 .


  1. صفحة 177

ورواية الكليني أيضا عن هشام بن سالم قال :

“ كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (ع) أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر انه صاحب الأمر بعد أبيه ، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك انهم رووا عن أبي عبد الله (ع) انه قال : ان الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة ، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه إياه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟

فقال : في مائتين خمسة .

فقلنا : ففي مائة ؟

فقال : درهمان ونصف .

فقلنا : والله ما تقول المرجئة هذا .

قال : فرفع يده إلى السماء فقال : والله ما ادري ما تقول المرجئة .

قال : فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول ، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين تتوجه ولا من نقصد ونقول : إلى المرجئة ، إلى القدرية ، إلى


صفحة 178

الزيدية ، إلى المعتزلة ، إلى الخوارج ، فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا اعرفه ، يومي إليَّ بيده فخفت ان يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر (ع) عليه ، فيضربون عنقه ، فخفت ان يكون منهم .

فقلت للأحول : تنح فإني خائف على نفسي وعليك ، وانما يريدني لا يريدك ، فتنح عني لا تهلك وتعين على نفسك ، فتنحّ غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك اني ظننت اني لا اقدر على التخلص منه ، فما زلت اتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن (ع) ثم خلاني ومضى .

فإذا خادم بالباب فقال لي : ادخل رحمك الله ، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (ع) فقال لي ابتداء منه :

لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليَّ إليَّ .

فقلت جعلت فداك مضى أبوك ؟

قال : نعم .


صفحة 179

قلت : مضى موتا ؟

قال نعم .

قلت : فمن لنا من بعده .

فقال : ان شاء الله ان يهديك هداك .

قلت جعلت فداك ان عبد الله يزعم انه من بعد أبيه ؟

قال : يريد عبد الله ان لا يعبد الله .

قال : قلت : جعلت فداك فأنت هو ؟

قال : لا ما أقول ذلك (1) .

قال : فقلت في نفسي لم اصب طريق المسالة .

ثم قلت له : جعلت فداك عليك إمام ؟

قال : لا .

فداخلني شىء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاما له وهيبة اكثر مما


(1) قوله (ع) (لا ما اقول ذلك) قال المازندراني في شرحه ج6 : 278 : أي قال (ع) لست انا هو من عندي ، ما اقول ذلك من قبلي بل انا هو من عند الله وعند رسوله ولما كان هذا الجواب غير صريح في المطلوب بل هو ظاهر في غيره لجأ السائل الى طريق آخر) .


  1. صفحة 180

    كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه ، ثم قلت له : جعلت فداك أسألك عما كنت اسأل أباك ؟

فقال : سل تخبر ولا تذع فان أذعت فهو الذبح .

فسألته ، فإذا هو بحر لا ينزف .

قلت : جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضلال ، فألقي إليهم وأدعوهم إليك ، وقد أخذت عليَّ الكتمان ؟

قال : من أنست منه رشدا فالق إليه وخذ عليه الكتمان ، فإن أذاعوا فهو الذبح ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ .

قال : فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول .

فقال لي : ما وراءك ؟

قلت : الهدى ، فحدثته بالقصة .

قال : ثم لقينا الفضيل وأبا بصير ، فدخلا عليه وسمعا كلامه ، وساءلاه وقطعا عليه بالإمامة .

ثم لقينا الناس أفواجا ، فكل من دخل عليه قطع ، إلا طائفة


صفحة 181

عمار (1) وأصحابه ، وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس .

فلما رأى ذلك قال : ما حال الناس ؟ فاخبر ان هشاما صد عنك الناس قال هشام : فاقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني (2) .

ورواية الكليني ايضا عن محمد بن أبي نصر قال : “ قلت لأبي الحسن الرضا (ع) : إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده ؟ فقال : للإمام علامات منها ان يكون اكبر ولد أبيه ، ويكون فيه الفضل والوصية ، ويقدم الركب فيقول إلى من أوصى فلان فيقال إلى فلان . ، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، وتكون الإمامة مع السلاح حيثما كان (3) .

قوله (ع) (ان يكون اكبر ولد أبيه) .

قال المجلسي (رح) : “ ان هذه العلامة بعد الحسين (ع) ومع ذلك مقيدة بما إذا لم يكن في الكبير عاهة ، أي بدنية فان الإمام مبرأ من نقص في الخلقة يوجب شينه ، أو دينية كعبد الله الافطح فانه كان بعد أبي عبد الله (ع) اكبر ولده لكن كان فيه عاهتان الأولى انه افطح


(1) هو عمار بن موسى الساباطي وهو واصحابه فطحية (المازندراني) .

(2) ج1 : 351 الحديث رقم 7 .

(3) الكافي ج1 : 284 الحديث 1 .


  1. صفحة 182

    الرجلين أي عريضهما ، والثاني انه كان جاهلا بل قيل فاسد المذهب ، قال المفيد في الإرشاد (وكان أي الافطح متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ويقال انه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة) ” (1) .

اقول : وهذه العلامة (أي كون الامام اكبر ولد ابيه) لا تكون بعد الرضا (ع) مقيدة بالقيد الذي اشار اليه الصادق (ع) ومن هنا فأن الرضا (ع) لم يذكره في حديثه لانه يتحدث عن علامة الامام من بعده .

وقوله (ع) (ويكون فيه الفضل) .

أي يكون أشبه أولاد أبيه بسيرته كما في رواية الكليني عن عبد الأعلى قال لأبي عبد الله (ع) : “ المتوثب على هذا الأمر المدعي له ما الحجة عليه ؟ قال يسأل عن الحلال والحرام ، قال ثم اقبل علي


(1) مرآة العقول ج3 : 207 شرح الحديث رقم 7 وفي الفصول المختارة للشيخ المفيد : 253 ان عبد الله كان يذهب مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي (ع) و عثمان وان اباعبد الله (ع) قال وقد خرج من عنده عبد الله (هذا مرجىء كبير) وقال الصدوق في اعتقاداته قال الصادق في ابنه عبد الله انه ليس على شىء مما انتم عليه واني ابرأ منه (قاموس الرجال ترجمة عبد الله الافطح) .


  1. صفحة 183

    فقال : ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر :

ان يكون أولى الناس بمن كان قبله .

ويكون عنده السلاح .

ويكون صاحب الوصية الظاهرة (1) التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان إلى من أوصى فلان فيقولون إلى فلان بن فلان ” (2) .

وروايته أيضا عن هشام بن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) قال : “ قيل له بأي شىء يعرف الإمام ؟ قال : بالوصية الظاهرة ، وبالفضل ، ان الإمام لا يستطيع أحد ان يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا ” (3) .

وروايته ايضا الكليني أيضا عن احمد بن عمر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : “ سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر ؟ فقال : الدلالة عليه الكبر ، والفضل ، والوصية إذا قدم الركب المدينة فقالوا


(1) قال المجلسي (رح) في مرآة العقول ج3 : 205 المراد بالوصية هنا ليست الوصية بالامامة بل مطلق الوصية .

(2) الكافي ج1 : 285 الحديث 2 .

(3) الكافي ج1 : 284 الحديث 3 .


  1. صفحة 184

    إلى من أوصى فلان قيل فلان بن فلان ، ودوروا مع السلاح حيثما دار فأما المسائل فليس فيها حجة ” (1) .

وقوله (ع) : (ودوروا مع السلاح حيثما دار).

لعله إشارة إلى الولد الأكبر الذي يحبى بسلاح أبيه بعد وفاته (2) . وهذه العلامة كانت مقيدة بعد الصادق (ع) بقوله (الأكبر ما لم تكن به عاهة) إلا أنها صارت مطلقة بعد الرضا (ع) .

قوله (ع) (فأما المسائل فليس فيها حجة).

قال المجلسي (رح) : “ أي للعوام وذلك لان هذه العلامة إنما هي للعلماء والخواص ” (3) .

قوله (ع) (ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان .. ان الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شىء فيه روح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام) .

ان هذا القول يشير إلى انهم (ع) قد أيدهم الله تعالى بما أيد به أنبياءه ورسله من خوارق العادات يظهر ذلك منهم على قدر ما يفتح


(1) الكافي ج1 : 285 الحديث 5 .

(2) انظر وسائل الشيعة كتاب الارث باب ما يحيى به الولد الذكر الاكبر من تركه ابيه دون غيره .

(3) مرآة العقول ج3 : 205 ـ 206 بشرح الحديث رقم 2 : ورقم 3 .


  1. صفحة 185

    الطريق لهداية الأفراد كما وردت الأخبار الكثيرة بذلك أو لهداية المجتمع ككل كما يحصل من المهدي (ع) عند ظهوره إذ ان تشخيص كونه محمد بن الحسن العسكري المولود سنه 255 هجـ بحاجة إلى معاجز تظهر على يديه وبغير ذلك فان الطريق يبقى مفتوحا لكل مدع للمهدوية .

 السابقالمحتوياتالصفحة الأساسية