السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الثالثة - صفحة 17

المورد الأول:

علي (ع) خليفة النبي (ص)


صفحة 17

يقول:

تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري ان عليا (ع) والعباس (رض) دخلا على النبي (ص) وسألاه ان يستخلف فقال لا ...

أقول :

الرواية التي ذكرها المرتضى ليست من تراث الشيعة وانما نقلها عن القاضي عبد الجبار للرد عليها!!!


صفحة 19

نص الشبهة

قال:

“وبالرغم مما يذكر الإماميون من نصوص حول تعيين النبي (ص) للإمام علي بن ابي طالب كخليفة من بعده ، إلا ان تراثهم يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها .

تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى - وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري - ان العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبي (ص) ان يسأله عن القائم بالأمر بعده ، فان كان لنا بينه وان كان لغيرنا وصى بنا . وان أمير المؤمنين قال :" دخلنا على رسول الله (ص) حين ثقل ، فقلنا : يا رسول الله . . استخلف علينا ، فقال : لا ، إني أخاف ان تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون ، ولكن ان علم الله في قلوبكم خيرا اختار لكم .

و يقول الكليني في (الكافي) نقلا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق : انه لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وامير المؤمنين فقال للعباس : ، يا عم محمد . . تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ . . فرد عليه فقال : يا رسول الله


صفحة 20

بأبي أنت وأمي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح . قال فاطرق هنيهة ثم أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقض دينه ؟ . . فقال كرر كلامه . . قال : أما إني قال : يا عباس سأعطيها من يأخذها بحقهاقال : يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ . .  . ثم فقالولي . : نعم بأبي أنت وأمي ذاك عليَّ

وهذه الوصية ، كما هو ملاحظ وصية عادية شخصية آنية ، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة ، والخلافة الدينية ، وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب ، فأشفق منها ، وتحملها الإمام أمير المؤمنين طواعية . وهناك وصية أخرى نقلها الشيخ المفيد في بعض كتبه عن الإمام أمير المؤمنين (ع) تقول ان رسول الله (ص) قد أوصى بها إليه قبل وفاته ، وهي أيضا وصية أخلاقية روحية عامة ، وتتعلق بالنظر في الوقوف والصدقات . واذا القينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية كالكليني والمفيد والمرتضى ، فإننا نرى إنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة ، وترك الأمر شورى”  (1) .


(1) احمد الكاتب - تطور الفكر السياسي الشيعي : 11-12 .


صفحة 21

الرد على الشبهة

أقول:

أما الرواية التي نسبها إلى الشريف المرتضى فهي مما أورده في كتابه الشافي ج3/91 كجزء من كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه "المغني" الذي أورد عدة روايات تنفي ان يكون النبي (ص) قد أوصى لعلي أو ان علياً (ع) قد أوصى للحسن (ع) وعقب عليها المرتضى(رح) بقوله :

(والاخبار التي ادعاها (صاحب المغني) لم تنقل الا من جهة واحدة (أي جهة أهل السنة) وجميع شيعة أمير المؤمنين (ع) على اختلاف مذاهبهم يدفعها وينكرها ويكذب رواتها فضلا عن ان ينقلها ولا شيء منها الا ومتى فتشت عن ناقله واصله وجدته صادراً عن متعصب مشهور الانحراف عن أهل البيت (ع) والاعراض عنهم)  (1) .

وفي ضوء ذلك يتضح ان هذه الرواية ليست من تراث الشيعة وان الشريف المرتضى حين أوردها لم يكن مصدقاً بها بل رادا عليها فهل حقا غفل الاستاذ الكاتب عن ذلك ؟


(1) الشافي ج3/98.


صفحة 22

اما رواية الكليني فهي رواية ضعيفة ومعارضة لروايات كثيرة جداً في الكافي نفسه تؤكد انَّ عليا وارث تراث محمد (ص) قبل حادثة وفاة النبي (ص) .

اما رواية الشيخ المفيد في اماليه /المجلس السادس والعشرون/ ص 220-221 فهي وصية أخلاقية عامة من النبي (ص) لعلي (ع) ومن علي لولده الحسن وليس معنى ذلك عدم وجود وصية أخرى في موضوع آخر فلا تعارض بينهما أصلا .

لقد كان ينبغي على (الاستاذ الكاتب) ان يبحث المسألة بحثاً علميا فيورد كل روايات الوصية في المصادر الشيعية والسنية ويناقشها مناقشة علمية سندا ودلالة أما ان يكتفي بما ذكر ليقول بعده(وإذا القينا نظرة على هذه الروايات التي يذكرها اقطاب الشيعة الامامية كالكليني والمفيد والمرتضى فاننا نرى انها تكشف عن عدم وصية رسول الله (ص) للامام علي بالخلافة والامامة . . وترك الأمر شورى) فهو مما لا يرتضيه منه قاريء يحترم عقله ووقته .

والى القاريء الكريم نموذج من روايات الوصية التي ذكرها المفسرون والمؤرخون والمحدثون .

روى الطبري في تفسير قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) الشعراء/214 عن ابن حميد قال ثنا سلمة قال: ثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن


صفحة 23

الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب قال لمانزلت هذه الآية على رسول الله (ص) (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله فقال لي: يا علي ان الله امرني ان انذر عشيرتي الأقربين ، قال: فضقت بذلك ذرعاً ،وعرفت اني متى ما أبادِهَّم بهذا الامر أرَ منهم ما اكره فَصَمَتُّ ، حتى جاء جبرئيل فقال: يا محمد ، انك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتى اكلمهم ، وابلغهم ما امرت به ، ففعلت ما امرني به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلاً يزيدون رجلاً او ينقصونه ، فيهم اعمامه ابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله (ع) حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها في نواحي الصحفة ، وقال : خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة ، وما ارى الا مواضع ايديهم ، وايم الله الذي نفس علي بيده ، ان كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال: اسق الناس ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً وايم الله ان كان الرجل الواحد منم ليشرب مثله ، فلما اراد رسول الله(ص) ان يكلمهم ، بدره ابو لهب الى الكلام فقال لشد ما سحركم به صاحبكم ، فتفرق القوم ، ولم


صفحة 24

يكلمهم رسول الله (ص) ، فقال من الغد : يا علي ، ان هذا الرجل قد سبقني الى ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل ان اكلمهم ، فعد لنا من الطعام مثل الذي صنعت ، ثم اجمعهم لي ، قال ، ففعلت ، ثم جمعتهم ،ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالامس ، فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة ، قال: اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً .

ثم تكلم رسول الله (ص) فقال: يا بني عبد المطلب ، اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به . اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد امرني الله ان أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على هذا الامر على ان يكون اخي وكذا وكذا .

قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت واني لاحدثهم سناً ، وارمصهم عيناً ، واعظمهم بطناً ، واحمشهم ساقاً انا يا نبي الله انا اكون وزيرك .

فأخذ برقبتي ثم قال : ان هذا اخي وكذا وكذا فاسمعوا له واطيعوا .

قال: فقام القوم يضحكون ، ويقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع  (1) .


(1) تفسير الطبري . ج19/121-122 .


صفحة 25

اقول : (كذا وكذا) في الموردين حذف لأصل الكلام من النساخ الاوائل كما يظهر من رواية ابن كثير الاتية .

وقد اورد الطبري في تاريخه الرواية نفسها بالسند نفسه وفيها (على ان يكون اخي ووصيي وخلفيتي فيكم) (ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم) (1) .

ورواها ابن عساكر بسنده الى نصر بن سليمان قال انبأنا محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب (ع) وفيها (فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم)  (2) .

ورواها ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير الطبري وفيها (على ان يكون اخي وكذا و كذا) في الموردين .

ثم علق عليها ابن كثير بقوله (تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم ابي مريم وهو متروك كذاب شيعي اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث (3) .


(1) تاريخ الطبري 2/319-321 ، وقد رواها مختصرة في ص321 بسند اخر هو زكريا بني يحيى الضرير قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ . وفيها (ويكون اخي وصاحبي ووارثي) .

(2) تاريخ دمشق ترجمة علي (ع) .

(3) تفسير ابن كثير الآية (وانذر عشيرتك الأقربين)


صفحة 26

اقول: وعبد الغفار بن القاسم كنيته ابو مريم الانصاري النجاري عداده في اهل الكوفة يروي عنه شعبة والكوفيون وقد اتهموه ايضا بشرب الخمر كما اتهموا السيد الحميري الشاعر المعروف بولائه لأهل البيت بذلك .

والسر في ذلك هو روايته لهذا الحديث ونظائره في فضائل علي (ع) ، وروايته في مثالب عثمان .

قال احمد بن حنبل كان ابو مريم يحدِّث ببلايا في عثمان  (1) .

قال ابن حبان: وكان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان (2) .

وقال الدار قطني: متروك ، وهو شيخ شعبة اثنى عليه شعبة وخفي على شعبة امره  (3) .

ونُقِلَ عن شعبة قوله: لم أَرَ احفظ منه .

قال الذهبي بقي الى قريب الستين ومائة وكان ذا اعتناء بالعلم والرجال وقد اخذ عنه شعبة ولما تبيَّن له انه ليس بثقة تركه  (4) .


(1) ميزان الاعتدال ترجمة عبد الغفار الانصاري ج2/640 .

(2) كتاب المجروحين لابن حبان2/143 .

(3) لسان الميزان ج4/412 -414 تحقيق المرعشلي .

(4) ميزان الاعتدال .


صفحة 27

اقول : أي اخذ عنه شعبة وتعلم منه لما لم يكن يحدّث ببلايا عن عثمان فلما حدث بها تركه كما يظهر من قول ابن المديني الاتي .

قال علي ابن المديني : وكان لشعبة (في عبد الغفار) رأيٌ وتعلَّمَ منه زعموا توقيف الرجال ثم ظهر منه رأي رديء في الرفض فترك حديثه (1) .


(1) اقول وموقفهم من عبد الغفار نظير موقفهم من جابر بن يزيد الجعفي قال الذهبي: جابر احد علماء الشيعة ، روى عن ابي الطفيل وخلق وروى عنه شعبة وابو عوانة وعدة . وقال ابن حجر في ترجمته: قال ابن مهدي عن سفيان: ما رأيت اورع في الحديث من جابر ، وقال ابن علية عن شعبة جابر صدوق في الحديث ، وقال ايضا كان جابر اذا قال حدثنا وسمعت فهو من اوثق الناس وقال زهير بن معاوية كان اذا قال سمعت او سألت فهو من اصدق الناس وقال وكيع مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في ان جابراً ثقة .

اقول: غير انهم اتهموه بالكذب وتكلموا فيه لما اظهر الايمان بالرجعة .

قال ابن عدي في الكامل في ترجمة جابر: وقد احتمله الناس ورووا عنه وعامة ما قذفوه انه كان يؤمن بالرجعة .

وقال زائدة: كان جابر الجعفي كذاباً يؤمن بالرجعة .

وقال يحيى بن معين وكان جابر كذاباً لا يكتب حديثه ولا كرامة ليس بشيء .

وقال سفيان لشعبة لما بدأ يتكلم في جابر وتغير رأيه فيه: لان تكلمت في جابر الجعفي لاتكلمنَّ فيك . وقال معلى بن منصور قال لي ابو عوانة كان سفيان (ابن عيينة) وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وقال وكيع قيل لشعبة لم طرحت فلانا وفلانا ورويت عن جابر قال لانه جاء باحاديث لم نصبر عنها .

وقال ابن حبان: كان جابر سبائياً من اصحاب عبد الله بن سبأ وكان يقول ان عليا يرجع الى الدنيا فان احتج محتج بان شعبة والثوري رويا عنه قلنا الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء و أما شعبة وغيره فرأوا عنده اشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها فربما ذكر احدهم عنه الشيء بعد الشيء على جهةالتعجب .(ميزان الاعتدال . الكامل في الضعفاء تهذيب التهذيب) .


صفحة 28

وقال ابن عدي: وسمعت احمد بن محمد بن سعيد (ابن عقدة (1)) (تـ 332) يثني على ابي مريم ويطريه وتجاوز الحد في مدحه حتى قال: لو انتشر علم ابي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس الى شعبة (2) .

وقد فات ابن كثير ان قريباً من سياق حديث الطبري قد رواه


(1) قال ابن عدي في ترجمته: لولا اني شرطت ان اذكر من تكلم فيه لم اذكره للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة .

(2) الكامل في الضعفاء ترجمة عبد الغفار الانصاري ج5/327 والملاحظ ان الذهبي لم يذكر ما نقله ابن عدي من ثناء ابن عقدة على اببي مريم مع ان كتاب ابن عدي . هو المتن المعتمد لدية في تأليف ميزان الاعتدال .


صفحة 29

احمد بن حنبل في مسنده ج1/159 بسند آخر من غير طريق عبد الغفار قال احمد حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي (ع) وفيها (ويكون اخي وصاحبي ووارثي) .

وروى احمد في مسنده 1/111 بسند آخر قال حدثنا اسود بن عامر قال حدثنا شريك عن الاعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الاسلامي عن علي (ع) وفيها (ويكون خليفتي) .

وقد رواها قريباً من هذا السياق ايضاً ابو الحسن الثعلبي في تفسيره بسنده عن الحسين بن محمد بن الحسين قال حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن ابي اسحق عن البراء بن عازب .

ورواها ايضا قريباً من هذا السياق الثعلبي وابن عساكر في تاريخ دمشق بسندهما عن ابي رافع .

اقول : وقد يشكل بعد الاذعان بصحتها بانها معارضة بما رواه الطبري واحمد واصحاب الصحاح عن عائشة وابن عباس وابي هريرة من انه لما نزل قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) . واللفظ لاحمد دعا رسول الله (ص) قريشاً فعمَّ وخص فقال يا معشر قريش انقذوا


صفحة 30

انفسكم من النار يا معشر بني كعب انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني عبد مناف انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني هاشم انقذوا انفسكم من النار يا بني عبد المطلب انقذوا انفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من الله فاني والله لا املك لكم من الله شيئا ، الا ان لكم رحما سأبلها ببلالها (المسند 2/360) .

غير ان عائشة وابن عباس كانا طفلين في ذلك الوقت او لم يكونا قد ولدا بعد اما ابو هريرة فلم يكن قد اسلم انذاك وكان في اليمن فلم يكن اذن من شهود الواقعة بخلاف علي (ع) حيث شهدها وجرت على يديه ورواها عنه ابن عباس وعباد بن عبيد الله الاسدي وربيعة بن ناجذ والبراء بن عازب وابو رافع وابنه عبيد الله الذي كان كاتبا لعلي (ع) .

هذا مضافاً الى ان لفظ العشيرة على فرض التسليم بانه مشترك بين بني الاب الادنين او القبيلة فان لفظة (الاقربين) قرينة صريحة في ارادة معنى بني الاب الادنين وهم بنو هاشم دون قريش ومما يؤكد هذا ما رواه البخاري عن جبير بن مطعم قال مشينا وعثمان بن عفان الى رسول الله (ص) فقلنا يا رسول الله اعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله (ص) انما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد ، ويؤكد ذلك ما ذكروه ايضا في (ذوي


صفحة 31

القربى) انه لفظ عام خصَّ ببني هاشم والمطلب (1) .

اقول : مضافا الى ذلك فإن قول النبي (ص) لعلي في هذه المناسبة انه اخوه ووصيه وصاحبه ووارثه ووزيره وخليفته تصدقه احاديث النبي (ص) الاخرى كحديث المؤاخاة حيث اخى النبي (ص) بينه وبين علي فقال له: انت اخي في الدنيا والاخرة ، وقال له: انت اخي وصاحبي . وان عليا كان يقول: والله اني لاخو رسول الله ووليه . ويقول: انا عبد الله واخو رسوله لم يقلها قبلي ولا يقولها احد بعدي الا كذاب مفتر  (2) .

وحديث المنزلة حيث قال النبي (ص) لعلي(انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) رواه البخاري وغيره ، وهذا الحديث من اقوى الشواهد على صدق ما روي عن علي (ع) في قصة الانذار .

والقرآن يقول عن موسى(وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي … قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) طه/29-36 .


(1) فتح الباري ج6/186-178 .

(2) الدرر في اختصار المغازي والسير ابن عبد البر تحقيق شوقي ضعيف /90-91 .


صفحة 32

وقد كان هذا قبل مجيء موسى الى مصر واجتماعه بأهل بيته فلما قدم مصر و اجتمع معهم ابلغهم شأن هارون وموقعه من رسالته وانه نبي ووزير وخليفة ووصي .

ولما كان موقع علي (ع) من محمد (ص) ورسالته كموقع هارون من موسى ورسالته الا ان عليا لم يكن نبيا ، فقد شاءت الحكمة الإلهية ان يكون انذار محمد (ص) لعشيرته الاقربين شبيها بانذار موسى لعشيرته الاقربين .

ففي القرآن الكريم قوله تعالى (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ) الأحقاف/10والضمير في (مثله) يعود الى الشاهد من بني اسرائيل وهو موسى .

وفي التوراة في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرات 15-22 (يقيم لك الرب من اقرباء اخيك نبياً مثلي) (سأقيم لهم من اقرباء اخيهم نبيا مثلك واضع كلامي في فمه لكي يبلغهم جميع ما امره به) .

وفي القرآن الكريم (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) المزمل/15 .

ان هذه المثلية بين محمد (ص) وموسى (ع) قد تحققت بشكلها الكامل من خلال قصة انذار العشيرة وابلاغ الناس ان لمحمد (ص) منذ البدء وزير وخليفة وهو اخوه علي كما ان لموسى وزير وخليفة هو


صفحة 33

اخوه هارون ، ولم يعرض القرآن الكريم في قصص انبيائه نبيا كموسى من هذه الناحية .

وقد اقترن شخص محمد (ص) بشخص علي لدى قريش في العهد المكي فضلا عن العهد المدني روى ابن الأثير في اسد الغابة ان النبي (ص) قال لعلي ليلة الهجرة ان قريشا لم يفقدوني ما رأوك ، فلما أصبح ورأوا عليا قالوا : لو خرج محمد لخرج بعلي معه (1) .

وقد بلغ موسى ووزيره هارون الرسالة الى فرعون وتحمل موسى وهارون من فرعون ومن قومهما ما تحملا وقد جعل الله الامامة من بعد موسى في ذرية هارون .

وقال تعالى (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا) 159 –160 / الاعراف .

وقال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) المائدة/12. وكذلك بلَّغ محمد (ص) ووزيره عليٌّ الرسالة الى قريش ومن آمن منهم ومن غيرهم وتحملا من قومهما ما تحملا ، وقد جعل الله الامامة من بعد النبي (ص) في ذرية علي وقال تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ


(1) اسد الغابة ج4/96 .


صفحة 34

بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الأعراف/181 وقد ذكر المفسرون ان هذه الاية في امة محمد (ص) وقال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ) فاطر/32 وقد تظافرت الروايات عن اهل البيت (ع) انهم هم الذي اورثهم الله الكتاب وعلومه وجعلهم سابقين بالخيرات باذن الله أي جعلهم ائمة هدى للناس  (1) .

وقد تظافرت الروايات من اهل السنة والشيعة ان النبي (ص) قال ان الأئمة من بعده اثنا عشر عدتهم عدة نقباء بني اسرائيل  (2) .

اما صفة علي كوصي للنبي (ص) الواردة في حديث الانذار فقد تكررت منه (ص) في مناسبات عدة منها جوابه (ص) لسلمان لما سأله عن وصيه اجابه ان وصيي علي (ع)  (3) .

ومنها ما رواه ابن حبان بسنده عن خالد بن عبيد الله العتكي من اهل البصرة سكن مرو عن انس بن مالك عن النبي (ص) هذا (علي) وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي  (4) .


(1) انظر تفسير نور الثقلين وتفسير البرهان الآية.

(2) وقد مرت مصادر ذلك في الحلقة الأولى الفصل الثامن .

(3) وقد مرت مصادر الحديث في الحلقة الاولى الفصل التاسع .

(4) كتاب المجروحين ج1 279


صفحة 35

وقد عُرِفَت عن علي (ع) هذه الصفة واشتهرت له حتى صارت مختصة به فاذا قيل الوصي انصرف الذهن الى علي (ع) وقد نظمها الشعراء منذ صدر الاسلام والى اليوم .

قال ابن ابي الحديد: ومما رويناه من الشعر القول في صدر الاسلام المتضمن كونه (ع) وصي رسول الله (ص) قول عبد الله بن ابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :

ومنا علي ذاك صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سألت كتائبه

وصي النبي المصطفى وابن عمه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وقال ابو الهيثم بن التيهان وكان بدريا :

ان الوصي امامنا وولينا برح الخفاء وباحت الاسرار

الى غيرها مما نقله عن كتاب وقعة الجمل لابي مخنف ثم علق عليها ابن ابي الحديد قائلا: ذكر هذه الاشعار والاراجيز باجمعها ابو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل وابو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها .

ثم ذكر ابن ابي الحديد نماذج اخرى من اشعار صفين تتضمن تسميته (ع) بالوصي مما ذكره ابن مزاحم ثم قال ابن ابي الحديد : والاشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ولكنا ذكرنا منها ها هنا


صفحة 36

بعض ما قيل فاما ما عداها فانه يجل عن الحصر ويعظم عن الاحصاء والعد ولولا خوف الملالة والاضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ اوراقا كثيرة  (1) .


(1) شرح النهج ج1/143-150 وقد بحث العلامة العسكري صفة علي (ع) كوصي النبي(ص) في كتابه القيم معالم المدرستين ج1/295-328 .

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية