السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية

الحلقة الثالثة - صفحة 115

المورد الثاني عشر:

عقيدة الأجيال الأولى من الشيعة بالإمامة

قوله:

النوبختي يقو ل : كانت أجيال من الشيعة الاول تقول ان عليا اولى الناس ومع ذلك أجازوا امامة ابي بكر .
وان عبد الله بن الحسن يقول : "ليس لنا في هذا الامر ما ليس لغيرنا" وان اخاه الحسن يقول : "لو كان يعني رسول الله (ص) بقوله في الغدير الإمرة لا فصح لهم"

اقول:

والنوبختي يقول ايضا : وهناك أجيال من الشيعة الاوائل يقولون: ان عليا مفروض الطاعة بعد رسول الله (ص) ولا يجوز لهم غيره . وان الصادق (ع) كان يندد بالحسن بن الحسن بن الحسن.


صفحة 117

نص الشبهة

 

وتبعا لمفهوم (الاولوية) قالت اجيال من الشيعة الاوائل، وخاصة في القرن الاول الهجري :

"ان عليا كان اولى الناس بعد رسول الله (ص) لفضله وسابقته وعلمه ، وهو افضل الناس كلهم بعده واشجعهم واسخاهم واورعهم وأزهدهم . واجازوا مع ذلك امامة ابي بكر وعمر وعدوهما اهلا لذلك المكان والمقام ، وذكروا ان عليا سلم لهما الامر ورضي بذلك وبايعهما طائعا غير مكره وترك حقه لهما ، فنحن راضون كما رضي المسلمون له ، ولمن بايع ، لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منا احدا الا ذلك ، وان ولاية ابي بكر صارت رشدا وهدى لتسليم علي ورضاه".

بينما قالت فرقة اخرى من الشيعة : " ان عليا افضل الناس لقرابته من رسول الله (ص) ولسابقته وعلمه ولكن كان جائزا للناس ان يولوا عليهم غيره اذا كان الوالي الذي يولونه مجزئا ، أحب ذلك او كرهه ، فولاية الوالي الذي ولوا على انفسهم برضى منهم رشد وهدى وطاعة لله عزوجل ، وطاعته واجبة من الله عزوجل " .


صفحة 118

وقال قسم آخر منهم : " ان امامة علي بن الي طالب ثابتة في الوقت الذي دعا الناس واظهر امره " .

و قد قيل للحسن بن الحسن بن علي الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي ابيه وولي صدقة جده : ألم يقل رسول الله : من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ فقال : بلى ولكن – والله – لم يعن رسول الله بذلك الامامة والسلطان ، ولو اراد ذلك لأفصح لهم به .

وكان ابنه عبد الله يقول : " ليس لنا في هذا الامر ما ليس لغيرنا ، و ليس في احد من اهل البيت امام مفترض الطاعة من الله ، وكان ينفي امامة اميرالمؤمنين انها من الله .

مما يعني ان نظرية النص وتوارث السلطة في اهل البيت فقط ، لم يكن لها رصيد لدى الجيل الاول من الشيعة ، ومن هنا فقد كانت نظرتهم الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة ايجابية ، اذ لم يكونوا يعتبرونهما "غاصبين" للخلافة التي تركها رسول الله (ص) شورى بين المسلمين ولم ينص على أحد بالخصوص . وهذا ما يفسر أمر الامام الصادق لشيعته بتوليهما .


صفحة 119

الرد على الشبهة

يقال للاستاذ الكاتب ان المقولة التي نقلتها ونسبتها إلى أجيال من الشيعة الأوائل إنما هي مقولة أوائل البترية من الزيدية .

وفي قبال مقولتهم مقولة شيعة أوائل أيضا تبعا لمفهوم أولوية الاختصاص كانوا يقولون (ان علي ابن أبي طالب إمام ومفروض الطاعة من الله ورسوله بعد رسول الله (ص) يجب على الناس القبول منه والأخذ منه ولا يجوز لهم غيره من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله لما أقامه رسول الله علما لهم وأوجب إمامته وموالاته وجعله أولى بهم منهم بأنفسهم والذي وضع عنده من العلم ما يحتاج إليه الناس من الدين والحلال والحرام وجميع منافع دينهم ودنياهم ومضارها وجمع العلوم كلها جليلها ودقيقها واستودعه ذلك كله واستحفظه إياه وانه استحق الإمامة ومقام النبي (ص) لعصمته وطهارة مولده وسبقه وعلمه وشجاعته وجهاده وسخائه وزهده وعدالته في رعيته وان النبي (ص) نص عليه وأشار إليه ، باسمه ونسبه ، وعينه وقلد الأمة إمامته وإقامة ونصبه لهم علما ، وعقد له عليهم إمرة المؤمنين ، وجعله وصيه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة ، اعلمهم ان منزلته منه منزلة هارون من موسى ، إلا انه لا نبي بعده ، وإذ جعله نظير


صفحة 120

نفسه في حياته ، وانه أولى بهم بعده ، كما كان هو (ص) أولى بهم منهم بأنفسهم .

قال النوبختي والاشعري (فلم تزل هذه الفرقة ثابتة قائمة لازمة لإمامته وولايته على ما ذكرنا ووصفنا إلى ان قتل صلوات الله عليه  (1) .

وقد المح الاستاذ الكاتب إلى قول هذه الفئة من الشيعة في الفصل الثاني من الجزء الأول ولكنه سماها بـ (الفئة السبئية) وقال عنها أنها جماعة قليلة من الشيعة في عهد الإمام علي وان الإمام نفسه قد رفض مقولتهم وزجرهم (ص 25) وسيأتي التعليق عليه .

2 . أما ما نسبه إلى الحسن بن الحسن بن علي (ع) من كلام فهو جزء رواية رواها ابن عساكر تحت ترجمة الحسن بن الحسن بن علي (ع) غير أنها للحسن بن الحسن بن الحسن .

قال الفضيل بن مرزوق سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن يقول لرجل من الرافضة ولو كان الأمر كما تقولون ان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر والقيام على الناس بعده ، ان كان علي لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرما في ذلك ان ترك أمر رسول الله (ص) ان يقوم فيه كما أمره أو يعذر فيه إلى الناس .


(1) 10:7 .


صفحة 121

فقال الرافضي ألم يقل رسول الله (ص) لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه قال أم والله ، ان لو يعني رسول الله بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك كما افصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقام لهم أيها الناس ان هذا ولي أمركم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا  (1) .

والحسن بن الحسن بن الحسن أخو عبد الله بن الحسن هو الذي قال فيه ، الصادق (ع) كما في خبر الاحتجاج للطبرسي (ان الحسن لو توفي بالزنا وشرب الخمر كان خيراً مما توفي عليه) .

وفي خبر الاحتجاج أيضا عن ابن أبي يعفور قال لقيت أنا والمعلى الحسن بن الحسن فقال يا يهودي فاخبرنا بما قال جعفر بن محمد (ع) فقال هو والله أولى باليهودية منكما ان اليهودي من شرب الخمر  (2) .


(1) مختصر تاريخ دمشق ج6/329-333 ، تاريخ دمشق ج13 وقد خلط ابن عساكر في الروايات بين الحسن بن الحسن بن علي والحسن بن الحسن بن الحسن بن علي ، ولعل الخلط من الناسخ .

(2) قاموس الرجال ترجمة الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) وترجمة الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، قال التستري رح والمراد بشربه الخمر النبيذ الذي هو خمر عند ائمتنا (ع) ويحله غيرهم .


صفحة 122

وقد روى ابن عساكر عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة والله ان قتلك لقربة إلى الله عز وجل ، فقال له الرجل انك تمزح فقال والله ما هذا بمزاح ولكنه مني الجد  (1) .

وفيه أيضا عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة : والله لئن أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم ثم لا تقبل منكم توبة  (2) .

وقد روى ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن روايات تكشف عن وحدة موقف بينهما من الرافضة .

فقد روى عن أبي بكر بن عياش عن سليمان بن قرم قال قلت لعبد الله بن الحسن في أهل قبلتنا كفار ؟ قال نعم ، الرافضة .

وروى عن أبي خالد الأحمر قال سألت عبد الله بن الحسن عن أبي بكر وعمر فقال صلى الله عليهما ولا صلى على من لم يصل عليهما .

وروى عن عمار بن زريق عن عبد الله بن الحسن قال : ما أرى رجلا يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبدا .


(1) مختصر تاريخ دمشق ج6/331 .

(2) مختصر تاريخ دمشق ج6 /332 .


صفحة 123

وروى عن شبابة عن حفص بن قيس قال سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين ؟ فقال امسح فقط مسح عمر بن الخطاب ، فقلت إنما أسألك أنت أتمسح ؟ قال ذلك اعجز لك حين أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر كان خير مني وملء الأرض مثلي ، قلت يا أبا محمد ان ناساً يقولون ان هذا منكم تقية فقال لي ونحن بين القبر والمنبر : اللهم ان هذا قولي في السر والعلانية فلا تسمعن قول أحد بعدي . ثم قال هذا الذي زعم ان عليا كان مقهوراً وان رسول الله (ص) أمره بأمر فلم ينفذه فكفى بهذا إزراء على علي (ع) ومنقصة ان يزعم قوم ان رسول الله (ص) أمره بأمر فلم ينفذه  (1) .

وروى الصفار في بصائر الدرجات عن علي بن سعيد وكان عند الصادق (ع) ان رجلا قال له جعلت فداك ان عبد الله بن الحسن يقول ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا فقال أبو عبد الله (ع) بعد كلام أما تعجبون من عبد الله يزعم ان أباه علي لم يكن إماما ويقول انه ليس عندنا علم ، وصدق والله ما عنده علم ولكن والله وأهوى بيده إلى صدره ان عندنا سلاح رسول الله (ص) وسيفه ودرعه وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله وانه لإملاء رسول


(1) تاريخ دمشق ج27 ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن ص 373-376 .


صفحة 124

الله (ص) وخط علي بيده  (1) .

قال العلامة التستري رح : (ونقل البحار عن (الإقبال) تصدية للاعتذار لإبائه بني الحسن ولهذا (اي لعبد الله بن الحسن) فأورد كتاب الصادق (ع) إليه تسلية عند حمله وأهل بيته ذاكرا في عنوان المكتوب (إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه ثم أورد المكتوب وقال اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله بالعبد الصالح والدعاء له ولبني عمه بالسعادة وهذا يدل على ان جماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين ، وقد يوجد في الكتب انهم كانوا للصادق مفارقين وذلك محتمل للتقية لئلا ينسب اظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة ثم ساق أخبارا كثيرة مؤيدة لما ذكره من عذرهم ومعرفتهم واعتراف عبد الله بان ولده ليس هو المهدي الموعود وتصديقه للصادق (ع) بان المهدي من ولده ونقل رواية عن الصادق عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين (ع) أنها سمعت أباها يقول يقتل منك أو يصاب منك بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يعدلهم الآخرون) وهؤلاء المقتولون منهم عبد الله وهو رأسهم وشيخ بني هاشم .

قال


(1) بصائر الدرحات ص 253 ومثله في 156 ،160 .


صفحة 125

(المصنف)  (1) كلما أمعنت النظر في أخبار المدح والقدح لم اهتد إلى وجه جميع .

قال العلامة التستري(رح) (بل أخبار القدح مستفيضة وأخبار المدح شاذة ومن طرق الزيدية وقرر القادحة القدماء فرواها محمد بن الحسن الصفار ومحمد بن يعقوب الكليني ونظرائهما عن الائمة ساكتين عن تأويلها , والتاريخ أيضا يعضدها ولم تنحصر الأخبار بما نقل بل لو أريد الاستقصاء لطال الكلام وقد رويت عنه أمور منكرة فوق عدم استبصاره ففي خبر انه قال للصادق (ع) ان الحسين كان ينبغي له إذا عدل ان يجعلها في الاسن من ولد الحسن ، وروي الطبري في ذيله بإسناده عن سليمان بن قرم قال قلت لعبد الله بن الحسن أفي قبلتنا كفار قال نعم الرافضة ، وقال ابن قتيبة روى عبد الله بن الحسن يوما يمسح على خفيه فقال مسح عمر ومن جعله بينه وبين الله فقد استوثق .  (2)

قوله : (ومن هنا فقد كانت نظرتهم –أي اهل البيت- الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة ايجابية إذ لم يعتبروهما غاصبين للخلافة … ، وهذا يفسر امر الامام الصادق (ع) لشيعته بتوليهما).


(1) يريد العلامة المامقاني (رح) صاحب كتاب تنقيح المقال .

(2)قاموس الرجال ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) .


صفحة 126

اقول : ان كان يريد ب(اهل البيت) الائمة المعصومين فقد اخطأ القول فيما نسب اليهم ، وذلك لان موقفهم (ع) منهما هو موقف ابيهم علي (ع) وجدتهم الزهراء (ع) .

اما موقف ابيهم علي (ع) فقد اتضح من خلال اقواله التي نقلناها عنه فيما مضى كقوله (ع) في خطبته المعروفة بالشقشقية (اما ولله لقد تقمصها ابن ابي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا … وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخية عمياء … فرأيت ان الصبر على هاتا احجى) وقوله (ع) (اللهم اني استعديك على قريش … فنظرت فاذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد الا اهل بيتي فضننت بهم عن المنية … وصبرت من كظم الغيظ على امر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار) وقوله (ع) (لو وجدت اربعين ذوي عزم لناهضت القوم) ولازم هذه الأقوال انهما اغتصبا حقه ، وكان يرى استرجاع حقه بالقوة لو كانت له قوة.

اما موقف جدتهم الزهراء (ع) : فهو واضح من خلال ما ثبت عنها انها غضبت عليهما ثم اصرّت على ابراز غضبها هذا عليهما حتى بعد موتها حيث اوصت ان لا يشهدا جنازتها وان لا يصليا عليها وان تدفن ليلا حرصا على تحقيق ذلك ، وقد نفذ علي (ع) وصيتها ودفنها ولم يؤذن ابا بكر بدفنها .


صفحة 127

روى البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة ان فاطمة (ع) وجدت على ابي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت … دفنها زوجها علي (ع) ليلا ولم يؤذن بها ابا بكر وصلى عليها) (1).

قال العيني وابن حجر شرح البخاري (2) قوله (ليلا) أي في الليل وذلك بوصية منها لارادة الزيادة في التستر .

اقول : ليس الامر كذلك بل حرصا على ان لا يشهداها ويصليا عليها بقرينة ان عليا (ع) لم يُعلم ابا بكر بها.

وفي دلائل الامامة للطبري عن ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) قال: لما دخلا عليها قالا لها: كيف انت يا بنت رسول الله (ص) فقالت بخير والحمد لله. ثم قالت لهما: اما سمعتما النبي(ص) يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله؟ قالا: بلى، قالت : والله لقد آذيتماني فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما (3).


(1) صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر، وباب قول رسول الله (ص) (لا نورث) ، وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ، ومشكل الآثار ج1: 48، وتاريخ الطبري ج3 : 208 .

(2) عمدة القاري ج17/259، فتح الباري 9/34.

(3) بحار الانوار ج43/170.


صفحة 128

وفي رواية زرارة عن الباقر (ع) ان زيداً لما قال له سالم بن ابي حفصة وكثير النوا وابو الجارود انهم يتولون ابا بكر وعمر ويتبرءون من اعدائهم قال لهم زيد ويلكم أتتبرءون من فاطمة؟ بترتم امرنا بتركم الله فيومئذ سموا البترية (1).

وقد سئل الرضا (ع) عن الشيخين فقال كانت لنا امة بارة خرجت من الدنيا وهي عليهما غضبى ونحن لانرضى حتى ترضى (2).

اما ما نسب الى الباقر والصادق(ع) من روايات الترضي والتولي فهي من باب التقية في العهد الاموي اما مانسب الى علي (ع) فهي روايات موضوعة عليه في العهد العباسي نرجيء بحثها الى فرصة قادمة.


(1) قاموس الرجال ج4/599.

(2) القاب النبي وعترته ضمن مجموعة نفيسة ص44، والطرائف لاببن طاووس ص252.

 السابقالتاليالمحتوياتالصفحة الأساسية